السلام إياهم بسبب ذلك الفعل دليلًا على أن ذلك الفعلَ قبيحٌ، والفعلُ القبيحُ لا يجوز أن يكون مَدركًا من مدارك أحكام الشرع؛ إذ في هذا الحديث وجوهٌ من المذامِّ من طرف السبب ومن طرف الحكم، أما من طرف السبب فإنه عليه السلام جعل فعلَ القياس من نتيجة فعلٍ من حيث أصله وفسد نسَبه، فإن الفعلَ الطيب إنما ينشًا من العِرق الطيب، وأما من طرف الحكم فهو ضلالٌ وإضلالُ، فالضلالُ بانفراده كافٍ في استجلاب وصف القبح فكيف ما لو اقترن بالإضلال؟.
ثم قوله: "فقاسوا" يحتملُ أن يكون قياسهم ما نقل من أصل عبادة الأصنام أن أسلافَهم المؤمنين كانوا قد صوَّروا صور الأنبياء والصلحاء الذين تقدَّموهم ليزدادوا حرصًا في طاعة الله برؤية صورهم وتذكُّرهم ما بلَغهم من مجاهدتهم وتحملهم لمشاق الدين، إلى أن نشأ أولادُ السبايا فيهم بعد انقراض أسلافهم الصالحين، فقالوا: كانت هذه الصورة يعبدُها أسلافنا فيجب علينا عبادتها أيضًا، فحينئذ كان معنى قوله: " فقاسوا ما لم يكن بما قد كان" أي قاسوا ما لم يكن من عبادة الأصنام في أسلافهم بما قد كان من وجود نفس الصور التي صورَّها أسلافهم للتذكير وزيادة الاتّعاظ والحرص في الطاعة برؤيتهم إياها لا لعبادتهم إياها، والله أعلم.