(مِنْ أَمْرِ رَبِّي) لابتداء الغاية، ومعلوم أن (مِنْ) تأتي لبيان الجنس، كقولهم: باب من حديد، وتأتي لابتداء الغاية، كقولهم: خرجت من مكة، فقوله: (مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ليس نصاً في أن الروح بعض الأمر ومن جنسه، بل هي لابتداء الغاية إذ كونت بالأمر، وصدرت عنه، وهذا معنى جواب الإمام أحمد في قوله: (وَرُوحٌ مِّنْهُ) حيث قال: (وَرُوحٌ مِّنْهُ) يقول: من أمره كان الروح، كقوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ) [الجاثية: 13] ، ونظير هذا أيضاً قوله تعالى: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [النحل: 53] .
فإذا كانت المسخرات والنعم من الله، ولم تكن بعض ذاته، بل منه صدرت، لم يجب أن يكون معنى قوله في المسيح (وَرُوحٌ مِّنْهُ) ، أنها بعض ذاته (?) .
الشبهة الثانية: قوله تعالى في آدم: (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي) [الحجر: 29] ، وقوله في عيسى: (فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا) [الأنبياء: 91] ، قالوا: فقد أضاف الله الروح إلى نفسه، وقد أجاب عن هذه الشبهة شارح الطحاوية فقال: " ينبغي أن يعلم أن المضاف إلى الله تعالى نوعان: صفات لا تقوم بأنفسها، كالعلم والقدرة، والكلام والسمع والبصر، فهذه إضافة صفة إلى موصوف بها، فعلمه وكلامه وقدرته وحياته صفات له، وكذا وجهه ويده سبحانه.
والثاني: إضافة أعيان منفصلة عنه، كالبيت والناقة والعبد والرسول والروح كقوله: (نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا) [الشمس: 13] وقوله: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ