وقد وقع هذا في هذه السنة - أعني سنة أربع وخمسين وستمائة - كما ذكرنا، وقد أخبرني قاضي القضاة صدر الدين علي بن أبي القاسم التميمي الحنفي الحاكم بدمشق في بعض الأيام في المذاكرة، وجرى ذكر هذا الحديث وما كان من أمر هذه النار في هذه السنة فقال: سمعت رجلاً من الأعراب يخبر والدي بِبُصْرى في تلك الليالي أنهم رأوا أعناق الإبل في ضوء هذه النار التي ظهرت في أرض الحجاز.
قلت: وكان مولده في سنة ثنتين وأربعين وستمائة، وكان والده مدرساً للحنفية ببصرى، وكذلك كان جده، وهو قد درس بها أيضاً ثم انتقل إلى دمشق فدرس بالصادرية وبالمعدمية، ثم ولى قضاء القضاة الحنفية، وكان مشكور السيرة في الأحكام، وقد كان عمره حين وقعت هذه النار بالحجاز ثنتا عشرة سنة، ومثله ممن يضبط ما يسمع من الخبر أن الأعرابي أخبر والده في تلك الليالي، وصلوات الله وسلامه على نبيه سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ومما نظمه بعض الشعراء في هذه النار الحجازية، وغرق بغداد قوله:
سبحان من أصبحت مشيئته ××× جاريةً في الورى بمقدار
أغرق بغدادَ بالمياه كما ××× أحرق أرض الحجازِ بالنارِ
قال أبو شامة: والصواب أن يقال:
في سنةِ أغرقَ العراقَ وقد ××× أحرقَ أرضَ الحجازَ بالنارِ
وقال ابن الساعي في تاريخ سنة أربع وخمسين وستمائة: في يوم الجمعة ثامن عشر رجب - يعني من هذه السنة - كنت جالساً بين يدي الوزير، فورد عليه كتاب من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، صحبة قاصد يعرف بقيماز العلوي الحسني المدني، فناوله الكتاب فقرأه، وهو يتضمن أن مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم زلزلت يوم الثلاثاء ثاني جمادى الآخرة حتى ارتج القبر الشريف النبوي، وسمع صرير الحديد، وتحركت