فائدة البحث في الأشراط والمغيبات المستقبلة
قد يقول قائل: لقد أتعبتم أنفسكم في النظر في أمور فائدتها قليلة، والأولى بكم أن تهتموا بأمور المسلمين ومشكلاتهم، بدلاً من قضاء الأوقات الطوال في البحث عما يجري في مقبل الأزمان من الوقائع والحادثات. وقالوا: إنكم تهربون من الواقع الذي تعيشون فيه إلى عالم آخر تأملون أن تعيشوا فيه، أو تخشوا أن يأتي عليكم، وهذا هروب من مواجهة الحقائق والصعاب.
ونحن نقول لهم: ليس لنا خيار في دراسة الغيوب المستقبلة أو إهمالها، فالأمر ليس لنا، فالاطلاع على هذه الغيوب والتصديق بها من صميم الدين الذي جاء به رسولنا صلى الله عليه وسلم، أخبر ببعض منها القرآن، وبعضها جاءت به السنة النبوية، وعِلِم ذلك كله الصحابة، وشغلوا به أنفسهم، واهتموا به اهتماماً كبيراً، وكان الإيمان بالغيب أول صفة مدح الله بها المتقين المهتدين الفائزين (الم - ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ - الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) [البقرة: 1-3] صحيح أن كثيراً من المسلمين شغلوا أنفسهم بالأخبار الغيبية التي لم يقم عليها دليل من الكتاب والسنة، وأغرق في ذلك بعض الذين نسبوا إلى العلم، ولكن الاشتغال بالنصوص الصحيحة هو جزء من هذا الدين الذي أنزله العليم الخبير.
ويمكننا أن نلوم الذين قعد بهم العمل من المسلمين انتظاراً لحدوث الواقعات التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم كالذين يتركون الجهاد انتظاراً لخروج المهدي، ولكن هذا