القياس (صفحة 79)

وأما قياس الخلف فإنه يكون إذا وضعنا نقيض النتيجة المقصود بيانها وأضفنا إلى ذلك مقدمة أخرى معترفا بها فأنتج لنا أمرا مستحيلا. وهذا النوع من القياس قد تبين أنه مركب من شرطي وحملي، وهو السائق إلى المحال، وهذا القياس يقع في قياس الخلف في الأشكال الثلاثة كلها. وقياس الخلف شبيه بعكس القياس لأن كليهما يبطل به. وإنما الفرق بينهما أن القياس المنعكس تكون من أخذ النقيض فيه والمقدمة المضافة إليه بعد وجود القياس حتى يكون النقيض هو نقيض نتيجة ذلك القياس والمقدمة المضافة هي إحدى مقدمتي ذلك القياس، وأما القياس على طريق الخلف فإنما يأخذ نقيض المقصود بيانه لا نقيض نتيجة قياس ونضيف إليه مقدمة صادقة لا مقدمة قياس مفروض. وأيضا فإن عكس القياس إنما يتأتى به إبطال الشيء الكاذب بأن يتسلم نقيض المحال الذي هو الصادق. وفي قياس الخلف إنما يتبين النتيجة بوضع المحال نفسه. وكل ما تبين بقياس حملي- وهو الذي يسمى المستقيم- يمكن آن يبين بتلك المقدمات بعينها بقياس الخلف، وحينئذ يكون قياس الخلف أشبه شيء بالقياس المنعكس، وذلك أن صورته تكون تلك الصورة بعينها. وسبب ذلك أن القياس المستقيم إذا رد إلى الخلف تكون الحدود والمقدمات فيها واحدا بعينه. مثال ذلك أن نفرض أن اَ موجودة في كل بَ بقياس مستقيم بأن تكون بَ موجودة في كل جَ وجَ موجودة في كل بَ، فينتج لنا أن اَ موجودة في كل بَ. فإن أردنا بيان هذه النتيجة بالخلف قلنا أن اَ إن لم تكن في كل بَ فليكن عكسها إلى النقيض صادقا- وهو أن اَ ليست في بعض بَ- ولنضف إليها أن اَ موجودة في كل جَ، فيلزم عن ذلك ضرورة في الشكل الثاني أن تكون جَ غير موجودة في كل بَ، وذلك نقيض المقدمة الصغرى وهو محال، فإذن الموضوع- وهو نقيض النتيجة أو ضدها- محال، وإذا كذب النقيض الموضوع صدق نقيضه- وهي نتيجة. وهذا بعينه هو صنعة عكس القياس. وكذلك يعرض في سائر الأشكال، لأن كل قياس يقبل الانعكاس يقبل بيان نتيجته على طريق الخلف.

وجميع المطالب الأربعة تبين بالخلف في كل الأشكال ما خلا الموجبة الكلية، فإنها لا تبين بالشكل الأول، وتبين بالثاني والثالث. فأما أنه لا نبين الموجبة الكلية في قياس الخلف بالشكل الأول فذلك يظهر هكذا. للنزل أن المقدمة التي نريد بيانها هي أن اَ في كل بَ. فإذا رمنا بيان ذلك بطريق الخلف فإن ذلك يكون إن كان إما بان نأخذ نقيضها- وهو أن اَ غير موجودة في كل بَ- أو ضدها- وهو أن اَ غير موجودة في شيء من بَ. ثم إذا أضفنا إلى أحد هذين المتقابلين مقدمة أخرى يكون تأليفها مع مقابل النتيجة تأليف الشكل الأول، فإنه يجب أن تكون جَ إما محمولة على اَ وإما أن تكون موضوعة للبَ- مثل أن نقول جَ على كل اَ أو بَ على كل جَ. فإن كان المقابل الموضوع نقيضا- وهو أن اَ ليست في كل بَ- فهو بين أنه ليس يكون قياس في الشكل الأول إلى أي الطرفين وضعت المقدمة الأخرى، وذلك أنه إن كانت الصادقة أن جَ في كل اَ كان معنا جَ في كل اَ، واَ ليست في كل بَ، وذلك غير منتج في الشكل الأول لأن الصغرى سالبة. وإن وضعناها من ناحية بَ يكون معنا اَ ليست في كل بَ وبَ في كل جَ وهذا أيضا غير منتج في الشكل الأول لأن الكبرى فيه جزئية وقد قيل إن ذلك غير منتج. فإن أخذنا ضد الموجبة التي رمنا إثباتها وأضفنا إليها المقدمة المعروف صدقها من ناحية البَ- مثل أن نضع اَ ولا في شيء من بَ وبَ في كل جَ- فإنه ينتج في الشكل الأول أن اَ ولا في شيء من بَ- إلا أنه ليس يلزم متى كذب قولنا اَ ولا في شيء من بَ أن يصدق ضدها- وهو قولنا اَ في كل بَ الذي كان مطلوبنا، إذ كان المتضادان قد يكذبان معا كما سلف في الكتاب المتقدم. فإن أضيفت المقدمة الصادقة من ناحية اَ لم يحدث قياس، لأنه تكون الصغرى سالبة في الشكل الأول. فهو بين أن كل قياس على طريق الخلف فإنما يكون بأخذ الضد أو بأخذ النقيض وبإضافة مقدمة صادقة إلى إحداهما. وكان قد تبين أنه إذا أخذ نقيض الموجبة الكلية وأضيف إليها مقدمة كلية صادقة أنه لا يكون قياس، وأنه إذا أخذ الضد فإما أن لا يكون قياس وإما أن يكون قياس لكنه لا ينتج محالا يلزم عن كذبه صدق الموجبة الكلية المطلوب بيانها. فإذن ليس يمكن أن تبين الموجبة الكلية بقياس خلف يكون الحملي السائق فيه إلى المحال في الشكل الأول.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015