المساجد جائزة مطلقاً، أنْ فشت بدعةٌ منكرةٌ في الجوامع العامّة، مثل الجامع الأزهر والمسجد المنسوب للحسين ـ رضي الله عنه ـ وغيرهما بمصر، ومثل غيرهما في بلاد أخرى، فجعلوا في المسجد الواحد إمامين راتبين أو أكثر، ففي الجامع الأزهر ـ
مثلاً ـ إمام للقبلة القديمة، وآخر للقبلة الجديدة، ونحو ذلك في مسجد الحسين، وقد رأينا فيه أن الشافعية لهم إمام يصلّي بهم الفجر في الغلس، والحنفيّون لهم إمام يصلّي الفجر بإسفارٍ، ورأينا كثيراً من الحنفيين ـ من علماء وطلاّب وغيرهم ـ ينتظرون إمامهم ليصلّي بهم الفجر، ولا يصلّون مع إمام الشافعيين، والصّلاة قائمة، والجماعة حاضرة، ورأينا فيهما وفي غيرهما جماعاتٍ تقام متعددةٍ في وقت واحد، وكلهم آثمون، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، بل قد بلغنا أن هذا المنكر كان في الحرم المكي، وأنه كان
يصلّي فيه أئمة أربعة يزعمونهم للمذاهب الأربعة، ولكنا لم نر ذلك، إذ أننا لم ندرك هذا العهد بمكة، وإنما حججنا في عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ رحمه الله ـ، وسمعنا أنه أبطل هذه البدعة، وجميع الناس في الحرم على إمام واحد راتب، ونرجو أن يوفّق الله علماء الإسلام لإبطال هذه البدعة من جميع المساجد في البلدان، بفضل الله وعونه، إنه سميع الدّعاء)) (1) .
[2/46] وسئل ابن تيمية عن المذاهب الأربعة، هل تصح صلاة بعضهم خلف بعض أم لا؟ وهل قال أحدٌ من السَّلف أنه لا يصلي بعضهم خلف بعض؟ ومن قال ذلك فهل هو مبتدع أم لا؟ وإذا فعل الإمام ما يعتقد أن صلاته معه صحيحة، والمأموم يعتقد خلاف ذلك، فهل تصح صلاة المأموم والحال هذه؟
فأجاب: نعم، تصح صلاة بعضهم خلف بعض، كما كان الصحابة والتّابعون لهم بإحسان ومن بعدهم الأئمة الأربعة، يصلّي بعضهم خلف بعض، مع تنازعهم في هذه المسائل المذكورة، ولم يقل أحد من السلف أنه لا يصلي بعضهم خلف بعض، ومن أنكر ذلك، فهو مبتدع ضال، مخالف للكتاب والسنّة وإجماع سلف