وقال الإمام الشافعي: ((وأحسب كراهية من كره ذلك منهم، إنما كان لتفريق الكلمة، وأن يرغب الرجل عن الصلاة خلف إمام جماعة، فيتخلّف هو ومن أراد عن المسجد في وقت الصّلاة، فإذا قضيت دخلوا فصلّوا، فيكون في هذا اختلاف وتفريق كلمة، وفيهما المكروه)) (3) .
وعلق الشيخ أحمد شاكر على كلام الإمام الشافعي بقوله: ((والذي ذهب إليه الشافعي من المعنى في هذا الباب، صحيح جليل، ينبىء عن نظرٍ ثاقبٍ، وفهمٍ دقيقٍ، وعقلٍ درّاك لروح الإسلام ومقاصده.
وأوّل مقصدٍ للإِسلام ثم أجلّه وأخطره: توحيد كلمة المسلمين، وجمع قلوبهم في غاية واحدة، هي إعلاء كلمة الله، وتوحيد صفوفهم في العمل لهذه الغاية، والمعنى الروحي في هذا: اجتماعهم على الصلاة وتسوية صفوفهم فيها. وهذا شيء لا يدركه إلا مَنْ أنار الله بصيرته بالفقه في الدّين، والغوص على دُرَرِه، والسمو إلى مداركه، كالشافعي وأضرابه.
وقد رأى المسلمون بأعينهم آثار تفرق جماعاتهم في الصلاة، واضطراب صفوفهم، ولمسوا ذلك بأيديهم، إلا مَنْ بطلت حاستُهُ، وطمس على بصره، وإنك لتدخل كثيراً من مساجد المسلمين، فترى قوماً يعتزلون الصّلاة مع الجماعة، طلباً للسنّة، زعموا!! ثم يقيموا جماعات أخرى لأنفسهم، ويظنّون أنهم يقيمون الصّلاة بأفضل مما يقيمها غيرُهُم، ولئن صدقوا!! لقد حملوا من الوزر ما أضاع أصل صلاتهم، فلا ينفعهم ما ظنّوه من الإنكار على غيرهم في ترك بعض السنن أو المندوبات.
وترى قوماً آخرين، يعتزلون مساجد المسلمين، ثم يتّخذون لأنفسهم مساجد أخرى، ضراراً وتفريقاً للكلمة، وشقاً لعصا المسلمين، نسأل الله العصمة والتوفيق، وأن يهدينا إلى جمع كلمتنا، إنه سميع الدّعاء.
وقد كان من تسلهل المسلمين في هذا، وظنّهم أنّ إعادة الجماعة في