وهذا القول المنقول عن الإمام أحمد رواه عنه حنبل في كتاب المحنة، وفي الإجابة عن هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذا الذي ذكره القاضي وغيره أنَّ حنبلاً نقله عن أحمد في كتاب المحنة أنَّه قال ذلك في المناظرة لهم يوم المحنة لما احتجوا عليه بقوله "تجيء البقرة وآل عمران" قالوا: والمجيء لا يكون إلا لمخلوق، فعارضهم أحمد بقوله: {وَجَآءَ رَبُّكَ} ، {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} ، وقال: المراد بقوله "تجيء البقرة وآل عمران" ثوابهما، كما في قوله: {وَجَآءَ رَبُّكَ} أمره وقدرته.
وقد اختلف أصحاب أحمد فيما نقله حنبل، فإنَّه لا ريب خلاف النصوص المتواترة عن أحمد في منعه من تأويل هذا، وتأويل النزول، والاستواء ونحو ذلك من الأفعال.
ولهم ثلاثة أقوال: قيل: إنَّ هذا غلط من حنبل، انفرد به دون الذين ذكروا عنه المناظرة مثل صالح وعبد الله والمروذي وغيرهم، فإنَّهم لم يذكروا هذا، وحنبل ينفرد بروايات يغلطه فيها طائفة كالخلال وصاحبه، قال أبو إسحاق بن شاقلا: هذا غلط من حنبل ولا شك فيه.
وكذلك نقل عن مالك رواية أنَّه تأول "ينزل إلى السماء الدنيا" أنه ينزل أمره، لكن هذا من رواية حبيب كاتبه وهو كذَّاب باتفاقهم، وقد رويت من وجه آخر لكن الإسناد مجهول.
والقول الثاني: قال طائفة من أصحاب أحمد: هذا قاله إلزاماً للخصم على مذهبه لأنَّهم في يوم المحنة لما احتجوا عليه بقوله "تأتي البقرة وآل عمران" أجابهم بأن معناه: يأتي ثواب البقرة وآل عمران كقوله: {أَن يَّأْتِيَهُمُ اللهُ} 1،