القضايا الكبري (صفحة 306)

وهنا نرى في المناخ الجديد الفكر الإسلامي يضع سلماً، يتسلقه الفرد، وهو يدلي بعلمه لمن دونه درجة، ويطلب العلم ممن فوقه، وهكذا ينطلق تيار العرفان في الاتجاهين ومن أسفل إلى أعلى أحياناً، عندما تقف المرأة مثلاً، وترد رأي عمر في قضية الصداق.

ولا شك أن هذا السلم، هو الذي أتاح للفكر الإسلامي الانطلاق، من عصر الشيئية في عهد العصر الجاهلي، للوصول إلى تلك القمم الشامخة التي أشعَّ منها العلم على العالم الذي كانت تخيم عليه الظلمات.

واليوم أرانا تبهرنا هذه القمم الشامخة ونتيه في عالم الخيال حين تذكرها أقلام المستشرقين، وإن نكرتها يعترينا مركب النقص، في كلتا الحالتين تصب هذه الدراسات في روحنا حرماناً مزدوجاً، لا نستطيع التخلص منه إلا إذا تذكرنا السلم الذي وضعه المفهوم القرآني ليتسلقه الفكر الإنساني حتى يصل على درجاته إلى تلك الإنجازات العلمية التي تهيمن حتى اليوم على التقدم التكنولوجي، مثل الحساب العشري أو الغباري، والجبر، والكيمياء وعدد من القوانين في عالم الكائنات العضوية، والطبيعة، والفلك، وإذا تذكرنا هذا السلم فلنعلم أنه ما زال تحت يد أو تحت قدم المجتمع الإسلامي متى أراد استخدامه من جديد، وبحسبنا أن نقرر أن مساهمة الفكر الإسلامي في تنمية تراث الإنسانية العلمي ليست تقدر فحسب بإنجازات يقرها أو ينفيها المستشرق، حسب هواه بل تقدر بالتغيير الجذري الذي أحدثه المفهوم القرآني في المناخ العقلي والبناءات العقلية، منذ كلمة (اقرأ).

وبالتالي، ربما وجب علينا أن نستخلص من هذا العرض نتيجة تحدد موقفنا من إنتاج المستشرقين، فنقول أولاً، إنه إنتاج لا يجوز نكران قيمته العلمية، بل نراه أحياناً يستحق كل التقدير لما يتسم- في بعض أصنافه مثل ما خلفه سيدييو أو غوستاف لوبون أو آسين بلاثيوس- بالإضافة إلى طابعه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015