القضايا الكبري (صفحة 305)

بكلمة يؤنب بها نفسه: ((ما لعمر والأبّ، إن جهل ما الأبّ، إن هذا إلاّ لكلفةً يا عمر)).

وانطلق عمر إلى شؤونه، حيث تدعوه المسؤوليات الكبرى، ونراه يوماً آخر يجتهد في تحديد صداق المرأة، لأنه يراه فوق ما يناسب في نظره، ولكن ها هي امرأة تعارضه، فتقول له: ما أعطاك الله ذلك يا عمر وتذكر الآية: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا؟} [النساء 4/ 22].

فسكت عمر ثم قال: ((إنّ كل الناس أعلم منك يا عمر حتى هذه المرأة العجوز)) .. وتراجع عن رأيه.

إننا نرى في هذين الظرفين موقف العقل تجاه الاختبارات التي تعرض له، نرى في الظرف الأول كيف يتحرر العقل في المناخ الجديد من الشكليات، من سلطان المفردات الذي طالما عوق تقدم العلم.

وفي الظرف الثاني، نراه كيف يتحرر من المكابرة وهي شرّ عدو للحقيقة، وأكبر معوق للفوز بها.

بل نرى كل ظرف يعبر في المجتمع الجديد على المناخ العقلي الذي كونه القرآن، نرى مثلاً، علي بن أبي طالب، يحتقر يوم النهروان رأي المنجم الذي يشير عليه بالانطلاق في وقت معين، فينطلق عليّ في غير ذلك الوقت، متعمداً وينتصر، ثم يقول على الملأ: ((لو انطلقنا في الوقت الذي أشار به المنجم لقال لنا إننا انتصرنا بما أشارت به النجوم)).

وفي ظرفٍ آخر يسم عليٌّ الراية إلى زياد بن النظر ويقول له: ((قُدْ هذه الفئات، واستفد برأي عالمهم، وعلم جاهلهم)).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015