العلمي، بطابع أخلاقي ممتاز لا يمكن نكرانه كشهادة نزيهة من طرف شهود نعرف قيمتهم كعلماء.
ولكننا نغفل جانباً أساسياً في الموضوع إذا لم نأخذ في حسابنا أن كل ما ينتجه العقل في هذا القرن العشرين الخاضع لمقاييس الفعالية، لا يخلو من بعد عملي قد يستغل في ميدان السياسة والانتفاع حيث تصبح الأفكار، ما سما منها وما كان تافهاً، مسخرةً لتكون وسائل افتضاض الضمائر والعقول.
إن الكتب، بغاليها وتافهها، تقع بمجرد خروجها من الطبع، وتقع أحياناً دون أن يشعر أصحابها في أيدي أخصائيين يسخرونها للصراع الفكري، فيصيرونها أدوات للمشاغبة، وللتحلل الأخلاقي، أو مجرد أدوات إلفات وتلهية، ومما نلاحظه أن الكتاب الذي يتعلق بموضوعنا يصدر في عاصمة أوروبية في نفس الوقت مع ترجمته في عاصمة عربية.
ولا يبدو هذا التنسيق يلفت النظر حتى في البلاد التي تعاني آثار الصراع الفكري، ودون أن تشعر هذه البلاد بالوسائل التي يستخدمها هذا الصراع ولا بأهدافه، بل ولا بمعنى هذه الكلمة نفسها كأنها مجرد مفردة.
ولنختبر بهذا الصدد عقلاً متنوراً فسوف نراه يحوم حول جوابٍ مترددٍ مرتابٍ، لا يستطيع صياغته بوضوح، وإنما يتمتم: الصراع الفكري؟ ... آه لعلكم تتحدثون عن الوجودية، والماركسية، والسريالية؟
وإذا ما أبرزتم أكثر معنى سؤالكم، وقلتم: لا يا سيدي بل أتحدث عن ماركسية لا صلة لها بماركس، وإنما هي مجرد كلمات وشعارات تلقنها لشبابنا بعض سلطات ترى في الماركسية مجرد وسيلة للعمل ضدَّ الإسلام، كما أتحدث عن وجودية لا صلة لها بوجودنا على الإطلاق، وعن سرياليةٍ لا تمت بصلة للفن، وليست هذه الأشياء في الواقع إلا وسائلَ للتغلغل في عقول النشئ الجديد،