{قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الأعراف:14] أي: أن إبليس طلب وطول العمر، طول العمر مع معصية الله عز وجل أعظم ضرراً، وطول العمر مع الكفر يزيد من الفساد، لذلك ليس طول العمر دعاء يدعى به على الدوام، إنما يكون طول العمر مع حسن العمل، {قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الأعراف:14].
فإبليس لم يطلب من أحد، ولم يقل: سوف أبقى طول العمر أو سوف أبقى مدة الدنيا، وإنما قال: رب! فهو يعلم بعد كفره أن الله ربه، وهذا من أعظم ما يرد على المرجئة القائلين: بأن الإيمان: هو المعرفة، وأنه إذا عرف وجود الله صار مؤمناً، لا! إبليس يعرف وجود الله، ويعرف أنه ربه وخالقه بعد كفره، فإبليس كافر يعرف وجود الله، لذلك نقول: إن الإيمان ليس المعرفة فقط، فالإيمان قول وعمل كما قال أهل السنة، وأجمعوا على أن الإيمان قول وعمل، وعمل القلب هو أعظم وأهم الأعمال؛ لأنه ينبني عليه عمل الجوارح، فإبليس يقر أن الذي يدعى هو الله، فلم يدع الملائكة ويقول: توسطوا لي عند الله لكي يمد في عمري، بل قال: {قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الأعراف:14].
وإبليس مقر باليوم الآخر، ولكنه كافر به؛ لذلك قال الله عز وجل عن اليهود والنصارى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29].
فكثير من الناس يقول عن اليهود والنصارى: هؤلاء مؤمنون يؤمنون بالله واليوم الآخر، وربنا ذكر أنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر مع كونهم أوتوا الكتاب؛ لأنه ليس الإقرار بوجود الله واليوم الآخر إيمان، وإلا لأصبح إبليس مؤمناً، لا، فإبليس أكفر الكفرة؛ لأن الإيمان لا بد فيه من انقياد وحب وطاعة، والإيمان باليوم الآخر لا بد فيه من استعداد له، أما الذي يؤمن بالجنة والنار ولا يبغي الجنة ولا يفر من النار فهذا لا يكون مؤمناً باليوم الآخر؛ ولذلك لو أن إنساناً أخبرته فقلت له: هذا طعام مسموم، فقال لك: أنا مصدق لكلامك وتناول ذلك الطعام، فإنه يصبح غير مؤمن بكلامك في الحقيقة؛ لأنه لا بد مع الإيمان من خضوع وانقياد وطاعة، وإبليس إلى هذه اللحظة جاهل جهلاً عظيماً بالله سبحانه وتعالى.