إزهاق الله للباطل

قال الله: {قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:68 - 69]؛ فلما ألقى الله إليه ذلك تقوى موسى عليه السلام، وواجه هذا الباطل مع أنه فرد واحد، وفي يده عصاً واحدة، فقد أوحى إليه سبحانه وتعالى ما ثبته به، وأوحى الله إليه أنه هو الأعلى والظاهر، وأنه بمجرد إلقائه للعصا فسوف يضمحل هذا السحر، وموسى موقن بكلام الله؛ فلذا قال قبل أن يلقي: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ} [يونس:81]، وذلك من أجل أن يلقي الرعب في قلوب الكفرة الظلمة، فهو متأكد أن الله سيبطل كل سحر، وكل ما يزيف الحق، ويجعل الباطل حقاً، والحق باطلاً، ويصور للناس الأمور على غير ما هي عليه فإن الله سيبطله {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81].

وهذه قضية كلية ليست خاصة بزمن موسى عليه السلام، فكل مفسد في الأرض لا يصلح الله عمله ولا بد أن يضمحل الفساد بإذن الله تبارك وتعالى فإن الفساد ينتشر وينتفش، ولكن سرعان ما يزول، قال تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:81]، فطبيعة الباطل التي خلقها الله عليه أنه زهوق يضحمل سريعاً.

((إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ))، وإذا ما قرأ المؤمن هذه الآية استراح، ففي كل موضع يواجه فيه الفساد ويطمئن؛ ويواجه أنواعاً من الضلال والمنكر سواء في مواجهة الكفرة، أو الظلمة، أو المبتدعين، أو العاصين، أو المفسدين في الأرض لمجرد الشهوات فتأكد أن عملهم سوف يحبط؛ لأن الله قال: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)).

وقال الله: ((وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ))، وكيف يحق الله الحق بكلماته؟ يحقه بكلماته الكونية: كن فيكون، وكلماته الشرعية: بالوحي المنزل على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهذا المعنى من أعظم الأمور أهمية، وكيف أن هذا الأمر سيحصل به إبطال السحر وإبطال عمل المفسدين؛ ولهذا نؤكد أهمية الاحتجاج بكلمات الله سبحانه وتعالى: {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [يونس:82].

فالمجرمون يكرهون ظهور كلمات الله، ويكرهون ظهور الحق، ومع ذلك وعد الله سبحانه وتعالى بظهور الحق نافذاً، وهو سبحانه وتعالى صادق الوعد، ولا يخلف الميعاد، وقد وعد بظهور الإسلام ولو كرة المشركون والمجرمون {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:33].

فإذا كنت تحمل كلمات الله فستنتصر، وسيزهق الباطل ولو كره المجرمون، فمهما كان من أمر فنتيجة الصراع حتمية معلومة، فالله يظهر الحق ويبطل الباطل، وحدث ذلك بالفعل حين ألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون، فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون {فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ} [الأعراف:119]، فكل ثعابين السحرة، وكل العصي والحبال التي توهمها الناس ثعابين أكلتها عصا موسى التي صارت ثعباناً مبيناً، وأرعب فرعون، فمن شدة الرعب بال على نفسه كما ذكر ذلك مجاهد رحمه الله.

ووقف الناس مشدوهين وظهرت الحجة البينة على الملأ الذين حشروا ضحى، بل عظم الأمر أكثر، فقد ألقى الله في قلوب السحرة الإيمان في تلك اللحظة الحاسمة زيادة في الحجة، فلو اكتفى بالأمر لكان في ذلك حجة كافية، فقد أكلت عصا موسى كل الثعابين والحيات، وكل العصي والحبال، قال تعالى: {فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ} [الأعراف:119]، أذلاء ألقى الله في قلوب السحرة الإيمان.

وقال: {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} [الأعراف:120].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015