ثم قال الله: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} [يونس:80]، وهذا الأمر بالإلقاء ما هو إلا استهانة بالباطل: ألق ما أنت ملقٍ فأنا عندي الحق الذي سوف يظهر بإذن الله تبارك وتعالى؛ وذلك ليقينه بضعف ما سيلقونه مع أنه واحد وهم مئات أو آلاف.
((قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ))، فألقى السحرة ما عندهم من حبال وعصي ولم ينسوا أن ينسبوا الفضل لفرعون، فألقوا بحبالهم وعصيهم وقالوا: {بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ} [الشعراء:44]، فكان لا بد من وضع البصمة الفرعونية على ما أتوا به، وأن ذلك من فضل فرعون، وأن عزة فرعون هي الغالبة.
وكما وصف الله فلقد أتوا بسحر عظيم: {قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف:116]، فامتلأ الوادي بالحيات والثعابين حتى أوجس في نفسه خيفة موسى على الناس من أن يفتنوا، وقد أوشك الناس أن يوقنوا بأن السحرة سوف يغلبون، كما خاف موسى على إيمان بعض أتباعه.