قال الشنقيطي: تنبيه! اعلم أنه يجب التفصيل بين النظام الوضعي الذي يقتضي تحكيمه الكفر بخالق السماوات والأرض، وبين النظام الذي لا يقتضي ذلك، وإيضاح ذلك أن النظام قسمان: إداري وشرعي، أما الإداري الذي يراد به ضبط الأمور، وإتقانها على وجه غير مخالف للشرع، فهذا لا مانع منه ولا مخالف فيه من الصحابة، فمن بعدهم.
فقد عمل عمر رضي الله عنه من ذلك أشياء كثيرة ما كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ككتبه أسماء الجند في ديوان لأجل الضبط ومعرفة من غاب ومن حضر، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب الدواوين، ولم يكتب أسماء المقاتلين في قبائلهم، ولم يعلم بتخلف كعب بن مالك عن غزوة تبوك إلا بعد أن وصل تبوك.
وكاشتراء عمر رضي الله عنه دار صفوان بن أمية، فجعلها سجناً في مكة المكرمة، مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يتخذ سجناً ولا أبو بكر، وإنما كان يحبس في تهمة في بعض دور أصحابه.
فمثل هذه الأمور الإدارية التي تفعل مما لا يخالف الشرع لا بأس بها، فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم حبس بتهمة، فإذا ثبت الحبس كنوع من التعزير، يصح أن يجعل له سجناً لكثرة الناس، ولأن الإمام لن يجد كل مرة بعض أصحابه ليضع المحبوس ذلك الذي يحتاج إلى حبسه عنده.
يقول: هذه الأمور الإدارية كتنظيم شئون الموظفين، وتنظيم إدارة الأعمال، لا تخرج عن قواعد الشرع من مراعاة المصالح العامة.
وأما النظام المخالف لتشريع خالق السماوات والأرض، فتحكيمه كفر بخالق السماوات والأرض.
فدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف كفر كالقوانين المطبقة في تونس، فإنها تنص على توريث الذكر مثل الأنثى، وككل ما تمليه قرارات المرأة العالمية، فإنها لا تفتأ في كل مرة من ذكر وجوب مساواة الرجل للمرأة في الميراث، ولزوم تغيير التشريعات التي فيها التفاوت بين الرجال والنساء، وكلها مقررات معلومة تتحفظ عن بعضها إجمالاً بعض الدول المسماة بالإسلامية، التي تنص قوانينها على لزوم الرجوع إلى الشريعة والعقيدة، لكن هذا المبدأ اعتقده المشرعون الغربيون، ونشروه في الناس، ولا يزالون يحاولون رد المسلمين عن هذا الأمر.