الرد على شبهة صلاة عائشة في حجرتها بعد دفن النبي وصاحبيه فيها

يبقى سؤال ينبغي أن نفهم إجابته وهو: أن السيدة عائشة رضي الله عنها بقيت نحواً من أربع وأربعين سنة في حجرتها، والنبي صلى الله عليه وسلم كان مدفوناً فيها، فكيف كانت تصنع؟ وهل كانت تخرج كل صلاة إلى خارج الحجرة؟ قال بعض العلماء المعاصرين: إن ذلك كان يقع، وليس هناك دليل من كتاب ولا سنة ولا أثر على أن عائشة كانت تخرج كل صلاة لتصلي خارج الحجرة، والذي لا نشك فيه أنها كانت تصلي في حجرتها كما كانت تفعل في حياته عليه الصلاة والسلام، وقد أضيف إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم قبر أبيها وقبر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولكن نقول: إن ذلك ليس بدليل على ما يريد هؤلاء من إثبات جواز الصلاة في المساجد التي بها القبور؛ وذلك لأن عائشة رضي الله عنها لم تقصد القبر بالصلاة، ولم تنو أنها تصلي إلى جوار القبر، وإنما هي كانت ساكنة في بيتها، ولو أن إنساناً دفن في بيته الآن -مع أن ذلك خلاف السنة- فماذا يكون حكم الصلاة في هذا المنزل؟ ليس في هذا المنزل اتخاذ للقبر مسجداً؛ لأن المنزل مبني قبل القبر وإنما دفن الرجل في منزله، فلذلك لا تكون الصلاة في هذا المنزل مكروهة ولا محرمة، بل جائزة إلا أن يستقبل القبر ويجعله في قبلته؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى القبور، وهذا الذي لا نشك فيه، فـ عائشة لم تكن تفعله، بل كانت تصلي في حجرتها إلى القبلة لا إلى القبر، ولم تكن تتحرى أن تجعل القبر في قبلتها، ولو كان بغير قصد لما جاز، كما ثبت ذلك في البخاري معلقاً مجزوماً به: أن عمر رضي الله عنه رأى أنساً يصلي إلى قبر وهو لا يدري، فقال عمر: القبر القبر، فظن أنس أنه يقول: القمر القمر، فظن أن هناك كسوفاً أو نحو ذلك، فقال له عمر: القبر القبر، فتخطى أنس رضي الله عنه حتى جعل القبر وراء ظهره).

ومن هنا نقول: إنه لا يجوز أن يستقبل القبر بالصلاة إذا كان الإنسان مدفوناً في بيته، ولا نعني بذلك أن المسجد الذي بني على القبر إذا كان القبر في غير اتجاه القبلة أن الصلاة تجوز فيه، لا؛ لأن أحد شروط اتخاذ القبر مسجداً: هو وجود بناء حول القبر، سواء كان ملصقاً به، أو كان مبنياً عليه، أو أي شيء طالما بني من أجل الصلاة عند القبر، وأغلظ من ذلك أن يكون القبر في اتجاه القبلة، وحتى لو كان في مؤخرة القبلة طالما أن المسجد بني من أجل القبر، ويقصده الناس تعظيماً لصاحب القبر، فهذا داخل في المنهي عنه والعياذ بالله.

إذاً: السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تصلي في حجرتها ولا تستقبل القبر، وهي كذلك لا تنوي بصلاتها إلى جوار القبر أن تتبرك، ومعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين كانوا كثيراً ما يدخلون عليها للسؤال وللاستفتاء ولسماع الحديث وما كان أحد يتعمد أن يصلي بجوار القبر تبركاً به.

ومن هنا نقول: إن الذي قصد أن يدخل إلى الحجرة ليصلي بجواز القبر فهذا هو الذي اتخذ القبر مسجداً، وهو بحمد الله لا يتأتى لأحد بحال من الأحوال.

والذي دفن في منزله لا ينهى أحد عن الصلاة في هذا المنزل، ولا ينهى إلا عن أن يصلي الإنسان مستقبلاً القبر، أو أن يأتي مسافراً للصلاة في هذا المنزل معتقداً بركة الصلاة بجوار الولي، كما أن بعض الطرقيين هنا يدفنون شيخهم وسيدهم في حديقة منزله الذي كان يسكنه، وفي أيام المولد يأتون من كل أرجاء البلاد للصلاة بجوار القبر وعند القبر، مع أنه ليس هناك مسجد، بل هذا منزله وما زال يسكن فيه ورثته وأبناؤه ونحو ذلك، وهي طريقة القادرية من الصوفية، وهم لم يتخذوا مسجداً مبنياً، لكن لا شك أن سفرهم وقصدهم للصلاة داخل هذا المنزل لأجل القبر من باب اتخاذ القبر مسجداً.

وأما من كان ساكناً بالمنزل بطريقة عادية فصلى لم ينه عن ذلك، وإنما الذين يعتقدون فضيلة الصلاة في هذا المكان هم الذين اتخذوا القبر مسجداً، وإذا بنوا بناء على القبر فهذا أشد، وأغلظه ما كان القبر في اتجاه القبلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015