وجه عدم إبراز قبر النبي وحكم شد الرحال لزيارة قبره

جاء في الصحيحين عن عائشة قالت: (ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً).

يعني: لولا ذلك لأبرز قبره للناس وصار غير مختف في الحجرة، ولكن خشي الصحابة أن يأتي الناس لزيارة نبيهم صلى الله عليه وسلم فيصلون بجوار القبر فيتخذ القبر مسجداً، فرأوا أن يدفنوه في حجرته ليكون القصد أصلاً إلى مسجده؛ لأن الناس يأتون بطريقة معتادة إلى المسجد ليؤدوا الصلوات فلم يتخذوا القبر مسجداً، بخلاف ما ظنه المتأخرون من أن وجود القبر الآن في مسجده هو من دلائل جواز اتخاذ القبور مساجد، بل إنما دفن صلى الله عليه وسلم في هذا المكان لكي لا يتخذ القبر مسجداً؛ وذلك لأن اتخاذ القبر مسجداً إنما يحصل بعدة أمور: أولاً: أن يبنى عليه مسجد.

ثانياً: أن يقصد بالصلاة بأن يجعل كالقبلة، أو أن يصلى بجواره.

ثالثاًً: أن يدخل إلى القبر ليصلي عنده، فكل هذا من اتخاذ القبور مساجد، والثلاثة بحمد الله ليست حاصلة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن المسجد مبني قبل القبر بسنين، ولما احتاج الناس إلى التوسع ظلوا يتوسعون من جميع الجهات إلى أن وسعوا من الجانب الذي فيه القبر، فاتسع المسجد في الحقيقة من حول القبر ولم يشمل القبر، والناس لا يتمكنون بحمد الله من الدخول إلى الحجرة ليصلوا في داخلها، فهذا الذي اتخذ القبر مسجداً لم يبق له إلا النية والقصد، كمن يأتي من بلاد بعيدة ناوياً أن يصلي بجوار قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك لا يجوز السفر إلى المدينة بهذه النية، بل يجب أن تكون نيته هي زيارة مسجده وشد الرحال إلى مسجده صلى الله عليه وسلم.

وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله سجن حتى مات بسبب أنه كان يفتي بالنهي عن شد الرحال لزيارة قبره عليه الصلاة والسلام، ويقول: بل يجب أن تشد الرحال إلى زيارة المسجد ثم تأتي زيارة القبر تبعاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015