فكر المغرور في حيلة أخرى، وكأنه ظن أن ملك الله رب الغلام لا يكون إلا في الأرض اليابسة، ففكر في قتله البحر، قال: (فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور -سفينة- فتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا ورجع يمشي إلى الملك، فقال: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله تعالى).
فبنفس الوسيلة في محاولة إرجاع الغلام عن دينه بتطويل مدة الاستعداد للقتل، فتوسطوا البحر مع استمرار التهديد بأن يقذف في وسط الأمواج التي لا يمكن لأحد أن ينجو منها في ظنهم، ونرى هنا نفس الطمأنينة والسكون والتضرع إلى الله وحده لا شريك له، وحسن الظن به، والتوكل عليه، وتفويض الأمر إليه، قال الغلام: (اللهم اكفنيهم بما شئت) فتنقلب السفينة، ولحظات الغرق والضر في البحر يظهر فيها أيضاً العجز البشري كاملاً، يظهر فقر الإنسان وحاجته وضعفه، كما قال عز وجل: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا} [الإسراء:67]، فكم هو عاجز وضعيف هذا الإنسان، ففي لحظات الضر في البحر لا سلطان للبشر، ولا أوامر للملوك، ولا قوة للرؤساء، فيغرق الله عز وجل من شاء، وينجي برحمته سبحانه وتعالى من شاء، فغرقت سفينة أصحاب الملك، وغرقوا جميعاً، والجزاء من جنس العمل، فأرادوا أن يغرقوا الغلام فغرقوا، ونجى الله الغلام، والحمد لله رب العالمين.
فرجع الغلام يمشي إلى الملك استكمالاً لدعوته، فازدادت دهشة ذلك الجاهل الغبي الذي لا يبصر أوضح الحقائق، فيسأله: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله تعالى.