قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء) الأكمه هو: من ولد أعمى، وهذا أبعد في أن يشفى، والأبرص هو من به برص، وهو: مرض جلدي معروف، ولا يوجد شفاء منه إلى الآن، فكان يداوي الناس من سائر الأدواء، وذلك بدعاء صادق إلى الله عز وجل، فيستجيب الله عز وجل دعاءه.
وهذه كرامات متعددة لهذا الغلام، وفي الحديث أدب التداوي، وهو هنا عن طريق الدعاء، وليس في هذا منافاة للتوكل، ولا للرضا بقضاء الله عز وجل وقدره، وإن كان طلب الدعاء من الغير في أمر شفاء الأمراض الأولى تركه، وتركه من كمال التوكل المستحب، وأما أن يدعو بنفسه لنفسه فلا يضر، أو يدعو له غيره من غير طلب منه فلا يضر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة السوداء التي كانت تصرع: (إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله لك، فقالت: أصبر) فلما قالت: إني أتكشف فادع الله لي ألا أتكشف، دعا لها، ولم يقل لها: اصبري ولك الجنة، وهذا دليل على أن طلب الدعاء في الأمور الدنيوية خلاف الأولى، أو حتى يكون الإنسان من السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فينبغي ألا يطلب الإنسان الدعاء من غيره في الأمور الدنيوية، وأما الأمور الدينية من الطاعة والستر ونحو ذلك، فالمرأة كانت تتكشف فطلبت من الرسول أن يدعو لها، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن أويس القرني: (فإن استطعتم أن يستغفر لكم فمروه فليستغفر لكم) وهذا أمر به الصحابة الذين هم أفضل من أويس، كـ عمر رضي الله عنه، وليس في هذا منافاة للتوكل المستحب؛ لأنه في أمر ديني يريد أن يتقرب به إلى الله عز وجل.