نجد هذا التعاون بين هذين الرأسين من رءوس الطواغيت للسعي للإفساد في الأرض، وكل ملك ساحر، وإن كان الأمر يختلف باختلاف الأزمنة في الكيفية، فالملوك الظلمة يحتاجون دائماً إلى السحرة لتوطيد ملكهم، وتقليب الأمور حتى يراها الناس على خلاف ما هي عليه، ولإيقاع الرهبة في نفوس الناس، ليجعلوا الحق باطلاً والباطل حقاً، قال عز وجل: {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف:116]، فالمطلوب عندهم أن يخوفوا الناس، وأن يروا الأمور على غير ما هي عليه.
ومن أخطر أنواع السحر وأخفاها، وأوسعها انتشاراً في زمننا الحاضر وأعظمها أثراً في توطيد ملك أدعياء الربوبية؛ هو ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الصحيح: (إن من البيان لسحراً) رواه البخاري وغيره، فسحر البيان هو الذي يجعل الحق باطلاً والباطل حقاً، ويجعل الإيمان كفراً والكفر إيماناً والعياذ بالله، وذلك في قلوب الخلق الذين لم يستضيئوا بنور الوحي، فوسائل البيان والإعلام التي تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف هي من أشد أنواع السحر أثراً في الخلق، ونرى عجباً أن من اهتمام أدعياء الربوبية بهذا النوع من السحر الجديد القديم، أضف إلى ذلك وجاهته وحضارته المزعومة، وتقدمه وانتشاره حتى دخل كل بيت، وكل عقل وفكر، فكانت له آثار مدمرة على إدراك الأمة وتمييزها، بل على إدراك العالم كله في وقتنا الحاضر.