وعَلَّقَ على الآيةِ تَعْليقاً خَبيثاً، فقال: " قالَ المفَسّرون: إِنَ محمداً لما
كانَ في مجلسِ قريش أَنزلَ اللهُ عليه سورةَ النجم، فقرأَها، حتى بَلَغَ قوله:
(أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) .
فأَلْقى الشيطانُ على لسانِه ما كانَ يُحَدِّثُ به نفسَه ويَتَمَنّاه، وهو: " تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى "،
فلما سمعَتْ قريش فَرِحوا به، ومضى محمد في قراءتِه، فقرأَ السورةَ كلَّها،
وسجدَ في آخرِها، وسجدَ المسلمون بسجوده، كما سجدَ جميعُ المشركين،
وقالوا: لقد ذَكَرَ محمد آلهتَنا بأَحسنِ الذكر، وقد عَرَفْنا أَنَّ اللهَ يُحيي ويُميت، ولكنَّ آلهَتنا تشفعُ لنا عندَه ".
وبعدَما أَوردَ هذه الروايةَ طَرَحَ سؤالَه وهُجومَه وبذاءَتَه، فقال: " ونحنُ
نسأل: كيفَ يتنكَّرُ محمد لوحدانيةِ الله، ويمدحُ آلهةَ قريش، ليتقَرَّبَ إِليهم، ويفوزَ بالرياسةِ عليهم بالأَقوالِ الشيطانية؟
وما الفرقُ بين النبيِّ الكاذبِ والنبيِّ الصادق، إِذا كانَ الشيطانُ يَنطقُ على لسانِ كليهما؟! " (?) .
الخُرافَةُ التي ذَكرَها الفادي الجاهلُ معروفة باسم " قصة الغرانيق ".
والغَرانيقُ جَمعُ " غُرْنوق "، وهو طَيْرُ الماء.
وقد ذَكَرَ تلك الخرافةَ بعضُ كتبِ التاريخِ والتفسيرِ والحديث، وردَّدَها عنهم الذين لا يتَحرونَ الدقة والصحةَ فيما يَنْقُلون، وتلَقَّفَها الفادي الجاهل.
وخُلاصَةُ تلك الخرافةِ أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يَوْماً عند الكعبة، وحولَه بعضُ المسلمين والكافرين، فتَلا سورة النجم، وهم يَستَمعونَ إِليه، حتى وَصَلَ إِلى قولِه تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) .
فَأَدخلَ الشيطانُ في قراءَتِه، وصارَ يتكلمُ بصوتِه، وأدرجَ فيه جملتَيْن،
سَمعوها بصوتٍ هو صوتُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، مع أَنه صوتُ الشيطان، والجملتان هما: " تلكَ الغرانيقُ العُلى، وإِنَّ شفاعتَهنَّ لترتُجى " وواصَلَ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - قراءَتَه، وسطَ ذُهولِ المسلِمين، وفرح المشركين، الذين قالوا: الْتَقى محمد مَعَنا، ومَدَحَ آلهتَنا..