ومعلومٌ أَنَّ في آخرِ سورةِ النجمِ سَجْدَة، فلما فرغَ
رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - من قراءَتِه سَجَدَ، وسَجَدَ معه المسلمونَ والمشركون..
ولما علمَ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - بما أَجرى الشيطانُ على لسانهِ حَزِنَ وتَألَّم، فأَمره اللهُ بحذْفِ جملتي الشيطانِ من سورةِ النجم: " تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى ".
وأَنزلَ آيةً من سورة الحج تتحدَّثُ عن ذلك: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) .
وهذه الخرافةُ مكذوبة، لم تَردْ في روايةٍ صحيحة.
وإِنما هي من وضع الزنادقة، والكَذَّابين والوضّاعين، وقد رَدَّها المفَسِّرون والمحَدِّثونَ والمؤرِّخونَ، وأَلَّفَ بعضُهم كتُباً في رَدِّها، منهم الشيخُ محمد ناصر الدين الأَلباني، في كتابه: " نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق ".
هذه الخرافةُ مردودةٌ عَقْلاً أَيضاً، إِذْ لا يُعقلُ أَنْ يَأَذنَ اللهُ للشيطانِ أَن
يتقمَّصَ صوتَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وأَنْ يُؤَلِّفَ كلاماً من عندِه يُدْخِلُه على القرآن، وهو يتعارضُ مع القرآن، فالقرآنُ يَذُمُّ اللاتَ والعُزّى، والشيطانُ يمدَحُهما، ويَجعلُ لهما شفاعةً عند الله! وأَينَ حِفْظُ القرآن؟
وأَينَ عِصمةُ اللهِ لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم -؟!.
أَما الفادي المفترِي الخبيثُ فقد طارَ فَرَحاً بالخرافة، وصَدَّقَها، واعتمدَها في التشكيكِ بالقرآنِ وإِدانةِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم -، وقال كلاماً فاجراً: " كيف يتنكَّرُ محمدٌ لوحدانيةِ الله، ويَمدحُ آلهةَ قُريش، ليتقربَ إليهم، ويَفوزَ بالرياسةِ عليهم بالأَقوالِ الشيطانية؟
وما الفرق بين النبيِّ الصادِقِ والنبيِّ الكاذبِ إِذا كان الشيطانُ ينطقُ على لسانِ كِلَيْهما؟ ".
أَمّا آيةُ سورة الحج التي زَعَمَ الفادي أنها جاءَتْ لمسْحِ ما أَلْقاهُ الشيطانُ
على القرآن، فإنها تتحدَّثُ عن أُمنياتِ الأَنبياء إِيمانَ أَقوامِهم، ومحاولاتِ
الشيطان تَيْئيسَهم: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ..) .