ولَسْنا مع البيضاويّ في ما نَقَلَه عنهم، لأَنه كلامٌ لا دَليلَ عليه، فقد ذَكَرَ

خمسةَ أَقوالٍ في تَعيينهم، وكلُّها أَقوالٌ ظنية، والتفاصيلُ التي ذَكَرَها من بابِ

الإِسرائيليات التي لم تصحّ عندنا، فنتوقَفُ فيها، لا نُصدِّقُها ولا نُكذبُها ولا

نَرويها.

وما نقلَه البيضاويُّ في تَعيينِ أصحابِ الرس لا يتحملُه القرآن، فإِنْ كانَ

خطأً فيتحمَّلُ مسؤوليتَه الذين رَووه وذَكروه!!.

وتشكيكُ الفادي في وُجودِ أَصحابِ الرسّ اتهامٌ وتكذيبٌ منه للقرآن،

وتَساؤُلُه عن مكانِ وزمانِ أَصحابِ الرسّ من بابِ خبثِه ولؤمِه: " لماذا لم

يُوَضِّحْ لنا القرآنُ ذلك إِنْ كانَ للرسِّ وُجود؟! ".

إِننا نؤمنُ أَنَّ للرسِّ وجوداً، وأنه كانَ قومٌ من الناسِ مُقيمونَ حولها،

نؤمنُ بذلك لأَنَ القرآنَ ذَكَرَ ذلك، وكُلُّ ما وردَ في القرآنِ فهو صادق وصحيحٌ وثابت، لأَنه كلامُ الله.

أَما لماذا لم يُوَضِّح القرآنُ زمانَ أَصحابِ الرسِّ أو مكانَهم، ولم يُفصلْ

قصتَهم مع نبيّهم، فإِنَّ هذا يتفقُ مع منهج القرآنِ في حديثهِ عن قَصصِ

السابقين.

إِنَّ القرآنَ ليس كتابَ تاريخٍ مُفَصَّل، وحديثُه عن قَصصِ السابقين

ليسَ روايةً تاريخيةً فنيةً مفصَّلَة، إِنه لا يذكُرُ من أَخبارِ السابقين إِلّا ما فيه عبرةٌ

وعِظَة، وهو يعرضُ من أَخبارِهم ما يُحققُ أَهدافَه من الحديثِ عن قَصصِ

السابقين، وما يَعرضُه يتناسقُ مع السياق الذي وَرَدَ فيه.

وهذا مَعناهُ أَنَّ ما وردَ في القرآنِ من أَخبارِ السابقين هو لَقَطاتٌ ومَشاهد

ومواقف قليلة، وما لم يوردْه من تَفاصيلِ أَخبارِهم أَكثرُ مما أَورده، وقد تعَمَّدَ

القرآنُ إِبهامَ الكثير من تَفاصيلِ حياتِهم، عن تَعَمُّدٍ وقَصْد، لأَنَ اللهَ الحكيمَ

العليمَ يَذكرُ للناسِ ما يَحتاجونَ إِليه ويستفيدونَ منه، وما طَواهُ عنهم يَعلم أَنهم لا يَحتاجون إِليه!.

المهمُّ أَنَّ ما ذَكَرَه القرآنُ من أَخبارِ السابقين صادقٌ صحيحٌ ثابت،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015