إذن فالقرآن هو الحل والذي بإمكانه أن يسع جميع أفراد الأمة، ولِمَ لا وهو الكتاب الوحيد الذي يجتمع عليه الجميع، ولا يختلف على مصداقيته اثنان.
القرآن هو مشروع الأمة القومي الذي من خلال الالتفاف حوله، والاعتصام به تتحطم قيود القلب لينطلق بعد ذلك ركضاً إلى الله، وإلى فعل ما يرضيه.
نعم، هذا هو قدْر القرآن الذي قال الله عنه"لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون" [الحشر: 21]
ومع هذا الدور العظيم للقرآن إلا أننا لن نستطيع الانتفاع به إلا إذا أحسنََّا التعامل معه ..
لابد أن نتعامل مع القرآن على أنه كتاب هداية وشفاء وتقويم وتغيير، وهذا يستدعي منا أن نقبل عليه، وأن نخصص له وقتاً ثابتاً كل يوم نلتقي به، ونُسلم له أنفسنا، ويُفضّل أن يكون هذا اللقاء في مكان هادئ حتى نُمكِّنه من إحداث التغيير داخلنا ..
وفي لقائنا اليومي مع القرآن علينا أن نقرأه بهدوء وترتيل، وبصوت مسموع، ولا يكن هم الواحد منا هو متى سينتهي من السورة، ولكن ينبغي أن يكون همه: متى سأتأثر بالآيات .. فالتأثر بالآيات يعني زيادة الإيمان وتوليد الطاقة، وتحطم جزء من القيود ... أي أن التأثر يعني بدء عملية التغيير.
ولأن التأثر لن يتم إلا إذا فهمنا ما نقرأ، لذلك علينا بتدبر الآيات بعقولنا، وأن نسترسل في القراءة استرسالاً يؤدي إلى تصاعد تأثير الآيات على مشاعرنا حتى نصل لمرحلة التجاوب، مع الأخذ في الاعتبار أن الوصول لمرحلة التأثر مع الآيات لابد له من أن نُهيئ أذهاننا وقلوبنا لتحصيله من خلال المكان الهادئ والاستمرار في القراءة لأطول فترة ممكنة، والتباكي معها، والفهم الإجمالي للآيات دون التوقف الطويل عند بعض ألفاظها.
فإذا ما قمنا بهذه الوسائل وحافظنا على استمراريتها فستأتي لحظات التأثر ولو بآية من الآيات، فعلينا وقتها أن نستفيد من الفرصة التي جاءتنا، ومن لحظات التغيير التي تتم داخلنا، وذلك بأن نردد تلك الآية التي تجاوب القلب معها، ونستمر على ذلك طالما وُجد التجاوب، فإذا انقطع انطلقنا في قراءتنا منتظرين لحظات التأثر مع آية جديدة.
فإذا ما داومنا على هذه الطريقة السهلة فستبدأ القيود في التحطم، وسيزداد الإيمان في القلب شيئاً فشيئاً، وسيظهر أثره على السلوك، وسنعرف معنى التغيير من خلال القرآن، لننطلق بعد ذلك بهذا الدواء نصفه، وندل عليه كل من حولنا.
علينا أن ندعو الأهل والأولاد .. والأقارب والجيران .. والزملاء والأصدقاء ... ندعوهم إلى السعادة .. إلى التغيير ... إلى الحل الأمثل والسهل الميسر لمنع حلول الكارثة
وشيئاً فشيئاً ستسري روح القرآن في الأمة وتبدأ ثمار التغيير تظهر في مجتمعاتنا ليتحقق تبعاً لذلك وعد الله، ويتوقف مسلسل الذل والهوان، ويعود مجد الأمة الزائل مرة أخرى، وستأتينا رسائل من أعدائنا تطلب منا المساعدة بمثل ما أرسل به جورج الثاني إلى هشام الثالث ملك الأندلس "ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم" [الروم:5،4]
إنها ليست أضغاث أحلام بل ستكون حقائق بمشيئة الله، وإن غداً لناظره لقريب.
وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين.