القرآن وعودة المجد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد كنت في يوم من الأيام أقوم بزيارة لأحد الأصدقاء، فاسترعى انتباهي لوحة ملصقة على باب حجرة من حجرات المنزل تحمل عنواناً يقول: هكذا كنا فمتى نعود؟
جذبني العنوان، فوقفت مشدوهاً تجاه الملصق أقرأ ما جاء فيه والذي كان يحمل رسالة من أحد ملوك الإفرنج في أوربا إلى ملك الأندلس أيام عزها .. فماذا قال فيها؟
إلى صاحب العظمة-خليفة المسلمين- هشام الثالث، الجليل المقام:
من جورج الثاني ملك إنجلترا والسويد والنرويج، إلى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس، صاحب العظمة هشام الثالث الجليل المقام.
بعد التعظيم والتوقير، نفيدكم أننا سمعنا عن الرُقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، وأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج من هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أركانه الأربعة، وقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة (دوبانت) على رأس بعثة من بنات الأشراف الإنجليز لتتشرف بلثم أهداب العرش، والتماس العطف لتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم، وقد زودت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل ... أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص.
خادمكم المطيع
جورج الثاني
لم أصدق نفسي وأنا أقرأ تلك الرسالة .. أهكذا كنا بالفعل؟! أهكذا كان وضعنا بين الأمم؟
فإن كان الأمر كذلك، فما الذي حدث لنا؟!
لماذا أصبحنا بهذا الذل والهوان؟
لقد صرنا أضيع الأمم وأذلها وأجهلها .. لم يعد لنا وزن، وليس ثمّة من يرهبنا أو يعمل لنا أي حساب، بل على العكس: تكالب علينا الجميع لسرقتنا وانتهاك شرفنا وأعراضنا ... أصبحنا كالغنيمة التي بلا صاحب.
بعد قراءة الرسالة السابقة وما فيها من مظاهر عز المسلمين وعلوهم على الكافرين مرت على خاطري مشاهد الذل والهوان التي تحدث لنا ولإخواننا المسلمين هنا وهناك.
تذكرت إخواننا في العراق وكيف أنهم يسامون سوء العذاب .. تذكرت الصور الفوتوغرافية التي تم تصويرها لإخواننا وأخواتنا من داخل سجن أبو غريب، وما فيها من مناظر يندى لها الجبين ..
تذكرت الرسالة التي كنت قد قرأتها في إحدى المجلات للأخت نور والتي أرسلتها من داخل سجن أبو غريب تستنصرنا وتقول فيها:
إلى أهلي وإخوتي الشرفاء في الرمادي والخالدية والفلوجة .. إلى جميع الشرفاء في العالم ..
سلام من الله عليكم
رسالة من أختكم نور من سجن اليهود في أبي غريب ....
من أين أبدأ أيها الشرفاء؟!
يعجز القلم عن الوصف، أصف لكم الجوع وأنتم تأكلون؟! أم أصف لكم السهر وأنتم نائمون؟ أم أصف لكم عراءنا وأنتم تلبسون؟
ماذا أصف لكم ما نلاقي من العذاب، والضرب المبرح حتى نحفظ لكم العرض ونصون الأمانة؟
إننا نعاني عندما ننظر إلى اليهود وهم يريقون الخمر أمامنا ويهتكون أعراضكم كالحيوانات المفترسة ...
أيها الشرفاء كم مرة تموتون؟
أعراضنا هتكت، وملابسنا تمزقت، وبطوننا جاعت، ودموعنا جارية، ولكن من ينصرنا؟!
لا أريد أن أودعكم .. وقبل أن أودعكم أقول لكم: اتقوا الله في أرحامكم فقد امتلأت البطون من أولاد الزنى ..
وقبل الوداع أقول للشرفاء: إذا كنتم تمتلكون الأسلحة فاقتلونا معهم داخل السجن .. أسألكم الله ... أسألكم الله .. أسألكم الله ...
أختكم في الله نور
1/ 2/2004م (?)
تذكرت تلك الرسالة، ثم خنقتني العبرة، إشفاقاً عليها من ناحية، ولشعوري بالعجز عن نصرتها من ناحية أخرى .. ومر الوقت، وعمدت لإشغال نفسي بشيء آخر كي أنسى ما قرأته وتذكرته.