لقد طبقنا كل ما في هذا الحديث .. رضينا بالزرع وتاقت أنفسنا لتملك الأراضي والضياع والعقار، وتبايعنا بالدّين والسلف لشراء مستلزمات الحياة العصرية المرفهة .. حلم الثراء يسيطر علينا، ويقيدنا ببنود تحقيقه .. تركنا الجهاد والتضحية في سبيل الله .. فماذا كانت النتيجة؟
عاقبنا الله عز وجل كما يشير الحديث بالذل، وعلى يد من؟ على يد إخوان القردة والخنازير أجبن شعوب الأرض وأذلها عند الله ...
إذن فحب الدنيا والتعلق بها هو الذي يمنعنا من القيام بما يريده الله عز وجل.
حب الدنيا وإيثار شهواتها هو الذي يجعلنا نسهر أمام التلفاز نشاهد الأفلام والمباريات ونترك صلاة الفجر.
حب الدنيا وطلب المنزلة عند الناس هو الذي يجعل الفتاة تخرج بهذا الوضع السافر الذي نراه، وإن غطت شعرها بغطاء رقيق فإن باقي ملابسها تظل بعيدة عما يرضي الله عز وجل.
حب الدنيا وطلب العلو فيها هو الذي يجعلنا نعتد برأينا، ونتناحر فيما بيننا ونختلف ونتباغض ونتحاسد ونتدابر ...
إذن فقد وضحت الرؤية وتبين مكمن الداء ألا وهو حب الدنيا ...
حب الدنيا هو القيد الذي يقيد قلوبنا ويجذبنا إلى الأرض، ويمنعنا من فعل ما يرضي الله كلما هممنا بذلك.
فإن كان الأمر كذلك فكيف نتخلص من هذا الداء الذي يحول بيننا وبين فعل ما يرضي الله؟
ما هو الدواء السحري لهذا الداء والذي يمكنه أن يسع جميع أفراد الأمة من مشارقها إلى مغاربها برجالها ونسائها، وشيوخها وشبابها؟!
عُدت مرة أخرى إلى القرآن أبحث فيه عن هذا الدواء السحري، وما كنت أظن أنه موجود فإذا بي أُفاجأ بأنه أمامي وبين يدي ... إي والله بين يدي .. أتدرون ما هو؟ .. إنه القرآن!!
لا تعجب -أخي القارئ- من هذه النتيجة، فإن أردت أن تصل إلى ما وصلت إليه من أن القرآن هو الدواء السحري الذي من خلاله نتخلص من مرض حب الدنيا فما عليك إلا أن تتبع الآيات التي يتحدث الله فيها عن القرآن ودوره وأثره على الفرد والأمة، ثم قم بتجميعها والتأمل فيها ...
ستصل يقيناً إلى أن القرآن هو الدواء الذي نحتاجه الآن و بشدة، وأنه الحل الذي من خلاله سنرضي الله عز وجل.
لم أصدق نفسي، فالقرآن بين أيدينا، وفي بيوتنا، وتنطلق به إذاعاتنا ليل نهار ومع ذلك فحالنا لم يتغير .. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن آياته تؤكد تأكيداً قاطعاً بأنه الدواء الناجع لما نعاني منه من أمراض"يا أيها الذين آمنوا قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين" [يونس:57]
هناك إذن حلقة مفقودة بيننا وبين القرآن، فبالرغم من اهتمامنا الكبير به وبتعلمه وقراءته وحفظه إلا أننا لم نر ثمار حقيقية لهذا الاهتمام في سلوكنا، وهذا ما يؤكد أن القرآن يحتاج منا إلى تعامل جديد.
يحتاج إلى أن نتعامل معه على حقيقته والتي أنزله الله من أجلها في كونه مادة للتغيير والشفاء "قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء" [فصلت: 44]
وأنه وسيلة عظيمة للتقويم ... تقويم المعوج في التصورات والسلوك"إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم" [الإسراء:9]
وهو كذلك منبع عظيم لزيادة الإيمان ومن ثمَّ نقصان الهوى "وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا" [الأنفال: 2]
إنه باختصار مصنع التغيير .. تغيير كل من يدخل إليه مهما كان حاله، ومهما كان حجم الإعوجاج به ... وهذا هو سر معجزته"وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا" [الشورى:52]