وفي المقابل فإن ما يحدث لنا ما هو إلا عقوبة من الله عز وجل ونتيجة طبيعية لما فعلناه"أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنَّى هذا قل هو من عند أنفسكم" [آل عمران: 165]
فالمعاصي التي نرتكبها، والأوامر التي نخالفها ... كل هذا أدى إلى غضب الله علينا، ومن ثمَّ استدعاء العقوبة"وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله" [النحل: 94]
إذن فما نذوقه من سوء وذل وهوان ما هو إلا نتيجة ما فعلناه، ولا ينبغي لمن ارتكب المخالفة أن يستغرب العقوبة، فإن كنت في شك من هذا فانظر إلى شوارعنا وما فيها من مظاهر للتفسخ الأخلاقي، وانظر إلى الفضائيات وما تبثه من دعوة للفحش والفجور، وتأمل حجم المعاملات الربوية التي تتعامل بها بنوكنا.
أليست الغش والكذب والرشوة منتشرة في ربوع بلادنا؟!
أليس موالاة الكافرين والتقاعس عن نصرة المستضعفين من المسلمين أمر واقع بيننا؟!
فلماذا إذن نستغرب العقوبة؟
لماذا نستغرب عدم إجابة الله لدعائنا ونصرته لنا؟!
فما يحدث إذن في فلسطين والعراق والسودان وإندونيسيا و ... لنا دور أساسي في حدوثه بأفعالنا وبما كسبت أيدينا، وإن استمر الوضع قائماً .. وإن استمرت المعاصي يُجهر بها في بلادنا فالعقوبة ستتضاعف، وقد نفاجأ بين عشية وضحاها بمجلس الأمن بصدر قراراً باحتلالنا تحت أي مسمى .. خدمة للمشروع الصهيوني، وتمكيناً له، فنصبح في يوم وليلة بالعراء فنفقد بيوتنا ووظائفنا، ويضيع مستقبل أولادنا الذي ضحينا بالكثير من أجله، وتصبح نساؤنا سبايا وخدماً لبني صهيون.
سألت نفسي: ولكننا لسنا جميعاً نرتكب المعاصي، ففينا الصالحون الصائمون القائمون، الذاكرون الله كثيراً ... فلماذا يشملهم العقاب الإلهي؟
بحثت في القرآن عن إجابة لهذا السؤال، فوجدت أن الخطاب فيه موجه إلى المسلمين بصيغة الجمع لا بصيغة المفرد، مثل: يا أيها الذين آمنوا .. أقيموا الصلاة ... جاهدوا ... أنفقوا ... فالله عز وجل يتعامل مع الأمة الإسلامية ككيان وجسد واحد لابد أن تصح وتسلم جميع أجزائه معاً، وصلاح جزء منه مرتبط بصلاح الكل، بمعنى أن صلاح الفرد في نفسه لابد وأن يصاحبه عمل على إصلاح الأمة جمعاء وإلا فسيكون العقاب الذي يصيب الجميع بلا استثناء"واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب" [الأنفال:25] .. وهذا ما حدث بالفعل.
قفز إلى ذهني سؤال آخر وهو لماذا نعاقب نحن بهذه العقوبات الأليمة دون غيرنا من الأمم والتي تفعل من المعاصي أضعاف أضعاف ما نفعله؟!
وجدت الإجابة في قوله تعالى"وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس" [البقرة:143] فالله عز وجل اختص هذه الأمة بالرسالة الخاتمة وائتمنها عليها، وطالبها بأن تقوم بما فيها، وتبلغها لسائر الأمم لاستنقاذها من الضلال والنار.
مهمة عظيمة حمّلها الله لأمة الإسلام ألا وهي القيام بدور الشهادة على الناس ودعوتهم إلى الله، ومن أجل ذلك فضل الله الأمة الإسلامية على سائر الأمم "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر و تؤمنون بالله " [آل عمران: 110]
وللأسف الشديد ضيعنا الأمانة، فلم نقمها في أنفسنا، ولم نبلغها لغيرنا، فصار العقاب لزاماً علينا، وقد كان ...
معنى ذلك أنه لن يتم حل المشكلة التي نعاني منها، والخروج من النفق المظلم الذي نسير فيه إلا إذا استبدلنا غضب الله برضاه، حتى يوقف سبحانه عقوبته عنا "عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأساً وأشد تنكيلاً" [النساء: 84]
فكيف لنا أن نفعل ذلك؟!
ما الذي يريده الله منا كي يرضى عنا وينصرنا؟