الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَلَا أَقُومُ إلَى مُحَمّدٍ فَأُكَلّمَهُ وَأَعْرِضَ عَلَيْهِ أُمُورًا لَعَلّهُ يَقْبَلُ بَعْضَهَا فَنُعْطِيهِ أَيّهَا شَاءَ وَيَكُفّ عَنّا؟ وَذَلِكَ حِينَ أَسْلَمَ حَمْزَةُ وَرَأَوْا أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَزِيدُونَ وَيَكْثُرُونَ فَقَالُوا: بَلَى يَا أَبَا الْوَلِيدِ قُمْ إلَيْهِ فَكَلّمْهُ فَقَامَ إلَيْهِ عُتْبَةُ حَتّى جَلَسَ إلَى رَسُولِ اللّه - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي، إنّك مِنّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ مِنْ السّطَةِ فِي الْعَشِيرَةِ وَالْمَكَانِ فِي النّسَبِ وَإِنّك قَدْ أَتَيْت قَوْمَك بِأَمْرِ عَظِيمٍ فَرّقْت بِهِ جَمَاعَتَهُمْ وَسَفّهْت بِهِ أَحْلَامَهُمْ وَعِبْت بِهِ آلِهَتَهُمْ وَدِينَهُمْ وَكَفّرْت بِهِ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِمْ فَاسْمَعْ مِنّي أَعْرِضْ عَلَيْك أُمُورًا تَنْظُرُ فِيهَا لَعَلّك تَقْبَلُ مِنْهَا بَعْضَهَا.قَالَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - قُلْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ أَسْمَعْ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي، إنْ كُنْت إنّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَالًا جَمَعْنَا لَك مِنْ أَمْوَالِنَا حَتّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ شَرَفًا سَوّدْنَاك عَلَيْنَا، حَتّى لَا نَقْطَعَ أَمْرًا دُونَك، وَإِنْ كُنْت تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلّكْنَاك عَلَيْنَا؛ وَإِنْ كَانَ هَذَا الّذِي يَأْتِيك رِئْيًا تَرَاهُ لَا تَسْتَطِيعُ رَدّهُ عَنْ نَفْسِك، طَلَبْنَا لَك الطّبّ، وَبَذَلْنَا فِيهِ غَلَبَ التّابِعُ عَلَى الرّجُلِ حَتّى يُدَاوَى مِنْهُ أَوْ كَمَا قَالَ لَهُ.حَتّى إذَا فَرَغَ عُتْبَةُ وَرَسُولُ اللّه - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَمِعُ مِنْهُ قَالَ أَقَدْ فَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَاسْمَعْ مِنّي؛ قَالَ أَفْعَلُ فَقَالَ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ {حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ كِتَابٌ فُصّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنّةٍ مِمّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللّه - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا يَقْرَؤُهَا عَلَيْهِ.فَلَمّا سَمِعَهَا مِنْهُ عُتْبَةُ أَنْصَتَ لَهَا، وَأَلْقَى يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا يَسْمَعُ مِنْهُ ثُمّ انْتَهَى رَسُولُ اللّه - صلى الله عليه وسلم - إلَى السّجْدَةِ مِنْهَا، فَسَجَدَ ثُمّ قَالَ قَدْ سَمِعْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ مَا سَمِعْتَ فَأَنْت وَذَاكَ فَقَامَ عُتْبَةُ إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ نَحْلِفُ بِاَللّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أَبُو الْوَلِيدِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الّذِي ذَهَبَ بِهِ.فَلَمّا جَلَسَ إلَيْهِمْ قَالُوا: مَا وَرَاءَك يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ قَالَ وَرَائِي أَنّي قَدْ سَمِعْتُ قَوْلًا وَاَللّهِ مَا سَمِعْت مِثْلَهُ قَطّ، وَاَللّهِ مَا هُوَ بِالشّعْرِ وَلَا بِالسّحْرِ وَلَا بِالْكِهَانَةِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَطِيعُونِي وَاجْعَلُوهَا بِي، وَخَلّوا بَيْنَ هَذَا الرّجُلِ وَبَيْنَ مَا هُوَ فِيهِ فَاعْتَزِلُوهُ فَوَاَللّهِ لَيَكُونَنّ لِقَوْلِهِ الّذِي سَمِعْتُ مِنْهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ فَإِنْ تُصِبْهُ الْعَرَبُ فَقَدْ كُفِيتُمُوهُ