بِغَيْرِكُمْ وَإِنْ يَظْهَرْ عَلَى الْعَرَبِ فَمُلْكُهُ مُلْكُكُمْ وَعِزّهُ عِزّكُمْ وَكُنْتُمْ أَسْعَدَ النّاسِ بِهِ قَالُوا: سَحَرَك وَاَللّهِ يَا أَبَا الْوَلِيدِ بِلِسَانِهِ قَالَ هَذَا رَأْيِي فِيهِ فَاصْنَعُوا مَا بَدَا لَكُمْ (?).
وفي رواية أخرى أن عتبة استمع حتى جاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى قوله تعالى: «فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ: أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ» .. فقام مذعورا فوضع يده على فم رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: أنشدك اللّه والرحم يا محمد! وذلك مخافة أن يقع النذير. وقام إلى القوم فقال ما قال! (?)
وعلى أية حال فهذه صورة أخرى من صور المساومة. وهي كذلك صورة من صور الخلق العظيم. تبدو في أدبه - صلى الله عليه وسلم - وهو يستمع إلى عتبة حتى يفرغ من قوله الفارغ الذي لا يستحق الانتباه من مثل محمد - صلى الله عليه وسلم - في تصوره لقيم هذا الكون، وفي ميزانه للحق ولعرض هذه الأرض. ولكن خلقه يمسك به لا يقاطع ولا يتعجل ولا يغضب ولا يضجر، حتى يفرغ الرجل من مقالته، وهو مقبل عليه. ثم يقول في هدوء: «أقد فرغت يا أبا الوليد؟» زيادة في الإملاء والتوكيد. إنها الطمأنينة الصادقة للحق مع الأدب الرفيع في الاستماع والحديث .. وهما معا بعض دلالة الخلق العظيم.
وصورة ثالثة للمساومة فيما رواه ابن اسحق قال: اعْتَرَضَ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ - فِيمَا بَلَغَنِي - الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السّهْمِيّ، وَكَانُوا ذَوِي أَسْنَانٍ فِي قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ هَلُمّ فَلْنَعْبُدْ مَا تَعْبُدُ، وَتَعْبُدُ مَا نَعْبُدُ فَنَشْتَرِكُ نَحْنُ وَأَنْتَ فِي الْأَمْرِ فَإِنْ كَانَ الّذِي تَعْبُدُ خَيْرًا مِمّا نَعْبُدُ كُنّا قَدْ أَخَذْنَا بِحَظّنَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مَا نَعْبُدُ خَيْرًا مِمّا تَعْبُدُ كُنْت قَدْ أَخَذْت بِحَظّك مِنْهُ.فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} أَيْ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْبُدُونَ إلّا اللّهَ إلّا أَنْ أَعْبُدَ مَا تَعْبُدُونَ فَلَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ مِنْكُمْ لَكُمْ دِينُكُمْ جَمِيعًا، وَلِي دِينِي ". (?)