وَلَا أَنْتَ، فَاكْفُفْ عَنْ قَوْمِكِ مَا يَكْرَهُوَنَ مِنْ قَوْلِكَ، فَظَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ قَدْ بَدَا لِعَمِّهِ فِيهِ، وَأَنَّهُ خَاذِلُهُ وَمُسْلِمُهُ وَضَعُفَ عَنِ الْقِيَامِ مَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:" يَا عَمِّ لَوْ وُضِعَتِ الشَّمْسُ فِي يَمِينِي وَالْقَمَرُ فِي يَسَارِي مَا تَرَكْتُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ أَهْلِكَ فِي طَلَبِهِ " ثُمَّ اسْتَعْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَبَكَى، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ لَهُ حِينَ رَأَى مَا بَلَغَ الْأَمْرُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:يَا ابْنَ أَخِي فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ:" امْضِ عَلَى أَمْرِكَ وَافْعَلْ مَا أَحْبَبْتَ، فَوَاللَّهِ لَا أُسْلِمُكَ لِشَيْءٍ أَبَدًا " قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ قَالَ أَبُو طَالِبٍ فِي شِعْرٍ قَالَهُ حِينَ أَجْمَعَ لِذَلِكَ مِنْ نُصْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ، وَالدِّفَاعِ عَنْهُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَدَاوَةِ قَوْمِهِ:
وَاللَّهِ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ بِجَمْعِهِمْ حَتَّى أُوَسَّدَ فِي التُّرَابِ دَفِينَا
فَامْضِي لِأَمْرِكَ مَا عَلَيْكَ غَضَاضَةٌ أَبْشِرْ وَقِرَّ بِذَاكَ مِنْكَ عُيونَا
وَدَعَوتَنِي وَزَعَمْتَ أَنَّكَ نَاصِحِي فَلَقَدْ صَدَقْتَ وَكُنْتَ قَبْلُ أَمِينَا
وَعَرَضْتَ دِينًا قَدْ عَرَفْتُ بِأَنَّهُ مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِ دِينَا
لَوْلَا الْمَلَامَةُ أَوْ حِذَارِي سُبَّةً لَوَجَدْتَنِي سَمْحًا بِذَاكَ مُبِينَا " (?).
فهذه صورة من إصرار النبي - صلى الله عليه وسلم - على دعوته في اللحظة التي تخلى عنه فيها عمه. حاميه وكافيه، وآخر حصن من حصون الأرض يمنعه المتربصين به المتذامرين فيه! هذه هي صورة قوية رائعة جديدة في نوعها من حيث حقيقتها، ومن حيث صورها وظلالها ومن حيث عباراتها وألفاظها ... جديدة جدة هذه العقيدة، رائعة روعة هذه العقيدة، قوية قوة هذه العقيدة. فيها مصداق قول اللّه العظيم: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ».
وصورة أخرى رواها كذلك ابن اسحق، كانت في مساومة مباشرة من المشركين لرسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - بعد إذ أعياهم أمره، ووثبت كل قبيلة على من أسلم منها تعذبه وتفتنه عن دينه.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ، قَالَ حُدّثْت أَنّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَكَانَ سَيّدًا، قَالَ يَوْمًا وَهُوَ جَالِسٌ فِي نَادِي قُرَيْشٍ، وَرَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ فِي