اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ مَضَى حَتَّى جَعَلَ التُّرَابَ فِي الْحِجْرِ، ثُمَّ رَجَعَ فَدَخَلَ عَلَى سَعْدٍ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ. فَقَالَ: أَبْشِرُوا فَقَدْ وَاللَّهِ أَعْطَانَا اللَّهُ أَقَالِيدَ مُلْكِهِمْ. وَتَفَاءَلُوا بِذَلِكَ أَخْذَ بِلَادِهِمْ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ أَمْرُ الصَّحَابَةِ يَزْدَادُ فِي كُلِّ يَوْمٍ عُلُوًّا وَشَرَفًا وَرِفْعَةً، وَيَنْحَطُّ أَمْرَ الْفُرْسِ سُفْلًا وَذُلًّا وَوَهَنًا .. " (?)

لم يجيء الإسلام إذن ليربت على شهوات الناس الممثلة في تصوراتهم وأنظمتهم وأوضاعهم وعاداتهم وتقاليدهم .. سواء منها ما عاصر مجيء الإسلام، أو ما تخوض البشرية فيه الآن، في الشرق أو في الغرب سواء .. إنما جاء هذا كله إلغاءً، وينسخه نسخاً، ويقيم الحياة البشرية على أسسه الخاصة.جاء لينشئ الحياة إنشاءً.لينشئ حياة تنبثق منه انبثاقاً، وترتبط بمحوره ارتباطاً.وقد تشابه جزئيات منه جزئيات في الحياة التي يعيشها الناس في الجاهلية.ولكنها ليست هي، وليست منها.إنما هي مجرد مصادفة هذا التشابه الظاهري الجانبي في الفروع.أما أصل الشجرة فهو مختلف تماماً.تلك شجرة تطلعها حكمة الله، وهذه شجرة تطلعها أهواء البشر: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً} .. [الأعراف:58]

وهذه الجاهلية خبثت قديماً وخبثت حديثاً .. يختلف خبثها في مظهره وشكله، ولكنه واحد في مغرسه وأصله .. إنه هوى البشر الجهال المغرضين، الذين لا يملكون التخلص من جهلهم وغرضهم، ومصلحة أفراد منهم أو طبقات أو أمم أو أجناس يغلبونها على العدل والحق والخير.حتى تجيء شريعة الله فتنسخ هذا كله، وتشرِّع للناس جميعاً تشريعاً لا يشوبه جهل البشر، ولا يلوِّثه هواهم، ولا تميل به مصلحة فريق منهم.

ولأن هذا هو الفارق الأَصيل بين طبيعة منهج الله ومناهج الناس، فإنه يستحيل الالتقاء بينهما في نظام واحد، ويستحيل التوفيق بينهما في وضع واحد.ويستحيل تلفيق منهج نصفه من هنا ونصفه من هناك.وكما أن الله لا يغفر أن يشرك به.فكذلك هو لا يقبل منهجاً مع منهجه .. هذه كتلك سواء بسواء.لأن هذه هي تلك على وجه اليقين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015