أَنْ يَقْتُلَ بَعْضُنَا بَعْضًا، وَأَنْ يُغِيرَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَدْفِنُ ابْنَتَهُ وَهَى حَيَّةٌ؛ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ طَعَامِهِ، فَكَانَتْ حَالُنَا قَبْلَ الْيَوْمِ عَلَى مَا ذَكَرْتُ لَكَ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَجُلًا مَعْرُوفًا؛ نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَنَعْرِفُ وَجْهَهُ وَمَوْلِدَهُ، فَأَرْضُهُ خَيْرُ أَرْضِنَا، وَحَسَبُهُ خَيْرُ أَحْسَابِنَا، وَبَيْتُهُ خَيْرُ بُيُوتِنَا، وَقَبِيلَتُهُ خَيْرُ قَبَائِلِنَا، وَهُوَ نَفْسُهُ كَانَ خَيْرُنَا فِي الْحَالِ الَّتِي كَانَ فِيهَا أَصْدَقَنَا وَأَحْلَمَنَا، فَدَعَانَا إِلَى أَمْرٍ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْ تِرْبٍ كَانَ لَهُ وَكَانَ الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِهِ، فَقَالَ وَقُلْنَا، وَصَدَقَ وَكَذَبْنَا، وَزَادَ وَنَقَصْنَا فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا إِلَّا كَانَ، فَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِنَا التَّصْدِيقَ لَهُ وَاتِّبَاعَهُ، فَصَارَ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَمَا قَالَ لَنَا فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ، وَمَا أَمَرَنَا فَهُوَ أَمْرُ اللَّهِ، فَقَالَ لَنَا: إِنَّ رَبَّكُمْ يَقُولُ: أَنَا اللَّهُ وَحْدِي لَا شَرِيكَ لِي، كُنْتُ إِذْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهِي، وَأَنَا خَلَقْتُ كُلَّ شَيْءٍ وَإِلَيَّ يَصِيرُ كُلُّ شَيْءٍ، وَإِنَّ رَحْمَتِي أَدْرَكَتْكُمْ، فَبَعَثْتُ إِلَيْكُمْ هَذَا الرَّجُلَ لِأَدُلَّكُمْ عَلَى السَّبِيلِ الَّتِي أُنْجِيكُمْ بِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ عَذَابِي، وَلِأُحِلَّكُمْ دَارِي دَارَ السَّلَامِ. فَنَشْهَدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ الْحَقِّ. وَقَالَ: مَنْ تَابَعَكُمْ عَلَى هَذَا فَلَهُ مَا لَكَمَ وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْكُمْ، وَمَنْ أَبَى فَاعْرِضُوا عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ، ثُمَّ امْنَعُوهُ مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ، وَمَنْ أَبَى فَقَاتِلُوهُ، فَأَنَا الْحَكَمُ بَيْنَكُمْ، فَمَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ أَدْخَلْتُهُ جَنَّتِي، وَمَنْ بَقِيَ مِنْكُمْ أَعْقَبْتُهُ النَّصْرَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُ. فَاخْتَرْ إِنْ شِئْتَ الْجِزْيَةَ، وَأَنْتَ صَاغِرٌ، وَإِنْ شِئْتَ فَالسَّيْفَ، أَوْ تُسْلِمُ فَتُنَجِّيَ نَفْسَكَ. فَقَالَ يَزْدَجِرْدُ: اسْتَقْبَلْتَنِي بِمِثْلِ هَذَا؟! فَقَالَ: مَا اسْتَقْبَلْتُ إِلَّا مَنْ كَلَّمَنِي، وَلَوْ كَلَّمَنِي غَيْرُكَ لَمْ أَسْتَقْبِلْكَ بِهِ. فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَقَتَلْتُكُمْ، لَا شَيْءَ لَكُمْ عِنْدِي. وَقَالَ: ائْتُونِي بِوَقْرٍ مِنْ تُرَابٍ، فَاحْمِلُوهُ عَلَى أَشْرَفِ هَؤُلَاءِ، ثُمَّ سُوقُوهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ أَبْيَاتِ الْمَدَائِنِ، ارْجِعُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ فَأَعْلِمُوهُ أَنِّي مُرْسِلٌ إِلَيْهِ رُسْتُمَ حَتَّى يَدْفِنَهُ وَجُنْدَهُ فِي خَنْدَقِ الْقَادِسِيَّةِ وَيُنَكِّلَ بِهِ وَبِكُمْ مِنْ بَعْدُ، ثُمَّ أُورِدُهُ بِلَادَكُمْ حَتَّى أَشْغَلَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ بِأَشَدَّ مِمَّا نَالَكُمْ مِنْ سَابُورَ. ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَشْرَفُكُمْ؟ فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَمْرٍو، وَافْتَاتَ لِيَأْخُذَ التُّرَابَ: أَنَا أَشْرَفُهُمْ، أَنَا سَيِّدُ هَؤُلَاءِ، فَحَمِّلْنِيهِ. فَقَالَ: أَكَذَاكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَحَمَلَهُ عَلَى عُنُقِهِ فَخَرَجَ بِهِ مِنَ الْإِيوَانِ وَالدَّارِ حَتَّى أَتَى رَاحِلَتَهُ، فَحَمَلَهُ عَلَيْهَا ثُمَّ انْجَذَبَ فِي السَّيْرِ فَأَتَوْا بِهِ سَعْدًا، وَسَبَقَهُمْ عَاصِمٌ، فَمَرَّ بِبَابِ قُدَيْسٍ فَطَوَاهُ فَقَالَ: بَشِّرُوا الْأَمِيرَ بِالظَّفَرِ، ظَفِرْنَا إِنْ شَاءَ