إن اللّه لا يأمر بالفحشاء إطلاقا - والفاحشة: كل ما يفحش أي يتجاوز الحد - والعري من هذه الفاحشة، فاللّه لا يأمر به. وكيف يأمر اللّه بالاعتداء على حدوده؟ والمخالفة عن أمره بالستر والحياء والتقوى؟ ومن الذي أعلمهم بأمر اللّه ذاك؟ إن أوامر اللّه وشرائعه ليست بالادعاء. إن أوامره وشرائعه واردة في كتبه على رسله.
وليس هناك مصدر آخر يعلم منه قول اللّه وشرعه. وليس لإنسان أن يزعم عن أمر أنه من شريعة اللّه، إلا أن يستند إلى كتاب اللّه وإلى تبليغ رسول اللّه. فالعلم المستيقن بكلام اللّه هو الذي يستند إليه من يقول في دين اللّه .. وإلا فأي فوضى يمكن أن تكون إذا قدم كل إنسان هواه، وهو يزعم أنه دين اللّه!! إن الجاهلية هي الجاهلية. وهي دائما تحتفظ بخصائصها الأصيلة. وفي كل مرة يرتد الناس إلى الجاهلية يقولون كلاما متشابها وتسود فيهم تصورات متشابهة، على تباعد الزمان والمكان .. وفي هذه الجاهلية التي نعيش فيها اليوم لا يفتأ يطلع علينا كاذب مفتر يقول ما يمليه عليه هواه ثم يقول: شريعة اللّه! ولا يفتأ يطلع علينا متبجح وقح ينكر أو امر الدين ونواهيه المنصوص عليها، وهو يقول: إن الدين لا يمكن أن يكون كذلك! إن الدين لا يمكن أن يأمر بهذا! إن الدين لا يمكن أن ينهى عن ذاك، .. وحجته هي هواه!!! «أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ؟» .. وبعد أن ينكر عليهم دعواهم في أن اللّه أمرهم بهذه الفاحشة، يبين لهم أن أمر اللّه يجري في اتجاه مضاد ..
لقد أمر اللّه بالعدل والاعتدال في الأمور كلها لا بالفحش والتجاوز. وأمر بالاستقامة على منهج اللّه في العبادة والشعائر، والاستمداد مما جاء في كتابه على رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولم يجعل المسألة فوضى، يقول فيها كل إنسان بهواه، ثم يزعم أنه من اللّه. وأمر بأن تكون الدينونة خالصة له، والعبودية كاملة فلا يدين أحد لأحد لذاته ولا يخضع أحد لأمر أحد لذاته: «قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ، وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ، وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» ..
هذا ما أمر اللّه به، وهو يضاد ما هم عليه .. يضاد اتباعهم لآبائهم وللشرائع التي وضعها لهم عباد مثلهم، مع دعواهم أن اللّه أمرهم بها .. ويضاد العري والتكشف وقد امتن اللّه على بني آدم بأنه أنزل عليهم لباسا يواري سوآتهم وريشا يتجملون به كذلك .. ويضاد هذا الشرك الذي يزاولونه، بازدواج مصادر التشريع لحياتهم ولعبادتهم ..