تستأنف .. وقد استدار الزمان كهيئة يوم بعث اللّه رسوله - صلى الله عليه وسلم - وناداه: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ - وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ - وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ. إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ. قُلْ: يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ». (?)
إن اللّه قدر أن يجعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون .. ويا ويل من كان عدوه وليه! إنه إذن يسيطر عليه ويستهويه ويقوده حيث شاء، بلا عون ولا نصير، ولا ولاية من اللّه: «إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ» .. وإنها لحقيقة .. أن الشيطان ولي الذين لا يؤمنون كما أن اللّه هو ولي المؤمنين .. وهي حقيقة رهيبة، ولها نتائجها الخطيرة .. وهي تذكر هكذا مطلقة ثم يواجه بها المشركون كحالة واقعة فنرى كيف تكون ولاية الشيطان وكيف تفعل في تصورات الناس وحياتهم .. وهذا نموذج منها: «وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا: وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها» .. وذلك ما كان يفعله ويقول به مشركو العرب وهم يزاولون فاحشة التعري في الطواف ببيت اللّه الحرام - وفيهم النساء! - ثم يزعمون أن اللّه أمرهم بها. فقد كان أمر آباءهم بها ففعلوها، ثم هم ورثوها عن آبائهم ففعلوها! وهم - على شركهم - لم يكونوا يتبجحون تبجح الجاهليات الحديثة التي تقول: ما للدين وشؤون الحياة؟
وتزعم أنها هي صاحبة الحق في اتخاذ الأوضاع والشرائع والقيم والموازين والعادات والتقاليد من دون اللّه! إنما كانوا يفترون الفرية، ويشرعون الشريعة، ثم يقولون: اللّه أمرنا بها! وقد تكون هذه خطة ألأم وأخبث، لأنها تخدع الذين في قلوبهم بقية من عاطفة دينية فتوهمهم أن هذه الشريعة من عند اللّه .. ولكنها على كل حال أقل تبجحا ممن يزعم أن له الحق في التشريع للناس بما يراه أصلح لأحوالهم من دون اللّه! واللّه - سبحانه - يأمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يواجههم بالتكذيب لهذا الافتراء على اللّه وبتقرير طبيعة شرع اللّه وكراهته للفاحشة، فليس من شأنه سبحانه أن يأمر بها: «قُلْ: إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ. أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ؟»: