وعند هذا المقطع من البيان يجيء التذكير والإنذار ويلوّح لهم بالمعاد إلى اللّه بعد انتهاء ما هم فيه من أجل مرسوم للابتلاء وبمشهدهم في العودة وهم فريقان: الفريق الذي اتبع أمر اللّه، والفريق الذي اتبع أمر الشيطان: «كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ: فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ، إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ» ..

إنها لقطة واحدة عجيبة تجمع نقطة البدء في الرحلة الكبرى ونقطة النهاية. نقطة الانطلاق في البدء ونقطة المآب في الانتهاء: «كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ» ..

وقد بدأوا الرحلة فريقين: آدم وزوجه. والشيطان وقبيله .. وكذلك سيعودون .. الطائعون سيعودون فريقا مع أبيهم آدم وأمهم حواء المسلمين المؤمنين باللّه المتبعين لأمر اللّه .. والعصاة سيعودون مع إبليس وقبيله، يملأ اللّه منهم جهنم، بولائهم لإبليس وولايته لهم. وهم يحسبون أنهم مهتدون. (?)

وأصحاب الدعوة إلى اللّه لا بد لهم من هذا التميز، لا بد لهم أن يعلنوا أنهم أمة وحدهم، يفترقون عمن لا يعتقد عقيدتهم، ولا يسلك مسلكهم، ولا يدين لقيادتهم، ويتميزون ولا يختلطون!

ولا يكفي أن يدعوا أصحاب هذا الدين إلى دينهم، وهم متميعون في المجتمع الجاهلي. فهذه الدعوة لا تؤدي شيئا ذا قيمة!

إنه لا بد لهم منذ اليوم الأول أن يعلنوا أنهم شيء آخر غير الجاهلية وأن يتميزوا بتجمع خاص آصرته العقيدة المتميزة، وعنوانه القيادة الإسلامية .. لا بد أن يميزوا أنفسهم من المجتمع الجاهلي وأن يميزوا قيادتهم من قيادة المجتمع الجاهلي أيضا!

إن اندغامهم وتميعهم في المجتمع الجاهلي، وبقاءهم في ظل القيادة الجاهلية، يذهب بكل السلطان الذي تحمله عقيدتهم، وبكل الأثر الذي يمكن أن تنشئه دعوتهم، وبكل الجاذبية التي يمكن أن تكون للدعوة الجديدة. وهذه الحقيقة لم يكن مجالها فقط هو الدعوة النبوية في أوساط المشركين .. إن مجالها هو مجال هذه الدعوة كلما عادت الجاهلية فغلبت على حياة الناس .. وجاهلية القرن العشرين لا تختلف في مقوماتها الأصيلة، وفي ملامحها المميزة عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015