اشتهرت القراءة في الأمصار اشتهارا عظيما، وصار كل إمام يقرئ بما سمع، وكل يقرّ قراءة صاحبه، على أساس أنه مشتمل بالإذن النّبوي الكريم في الإقراء بالأحرف السبعة، ولكن ذلك النّهج مضى- كما هو مفترض- باتّجاه التّوسع في الإقراء حتى أصبحت مدارسه ومناهجه لا تنضبط بإطار ناظم، وأصبح تصور الخطأ واللحن والشذوذ واردا في هذه الحالة الجماعية.
لذلك فقد بدأ الأئمة في مطلع القرن الثالث بتحديد القراءة المقبولة من القراءة المردودة، ولا تحسب أن الأمر قبل ذلك كان على عواهنه، بل كانت الأئمة تميز بسلائقها المقبول من المردود من القراءات، وتعتمد لذلك اعتبارات كثيرة، منها منزلة الإمام المقرئ، والتزامه بالعربية فيما يقرئ فيه، وموافقته للرسم، وغير ذلك.
ثم اتفقت الأمة على شروط ثلاثة، أصبحت ضابطا دقيقا في قبول القراءات وردّها، وهذه الشروط هي:
1 - أن توافق وجها من وجوه النحو، فلا يكون فيها شذوذ عن القواعد التي أصلها النّحاة لضبط كلام العرب.
2 - أن توافق رسم المصحف العثماني على الشكل الذي كتب في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وذلك قبل النّقط والشكل.
3 - أن يتواتر سندها متصلا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ بأن يرويها جمع عن جمع من أول السّند إلى منتهاه.
وكل قراءة لم تتحقق فيها الشروط السابقة كلها أو بعضها؛ فقد اعتبرت قراءة شاذة تحرم القراءة بها، ويحرم الاعتقاد أنها من القرآن (?).