وقد نظم ابن الجزري فيما بعد منهج المتقدمين في شروط القراءة المقبولة في الأبيات الآتية:
وكل ما وافق وجه النحو ... وكان للرسم احتمالا يحوي
وصحّ إسنادا هو القرآن ... فهذه الثلاثة الأركان
وحيثما يختل شرط أثبت ... شذوذه لو أنه في السبعة (?)
وعقب جهود طويلة من البحث والتحقيق، وبالاستقراء والتتبع؛ ضبط العلماء ما تواتر من أسانيد القرّاء، فإذا هي قراءات سبع، وهي التي اشتهر بخدمتها نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وهي التي سميت فيما بعد بالقراءات السبع المتواترة، وقد أتينا على ترجمة هؤلاء الأئمة قبل قليل.
ويرجع هذا الحصر بالسبعة المذكورين إلى الإمام المقرئ أحمد بن موسى بن مجاهد، المتوفى عام (324 هـ)، وذلك في كتابه المشهور (السبعة في القراءات).
وقد ولد ابن مجاهد بسوق القطن في بغداد عام (245 هـ)، وظهر نبوغه مبكرا حيث حفظ القرآن الكريم، وأكثر القراءة على الشيوخ حتى عدّ له ابن الجزري نحوا من مائة شيخ قرأ عليهم ختما كاملة للقرآن الكريم، وأجازوه بإقرائها للناس، وقرأ على بعض شيوخه عشرين ختمة، واجتمع عليه الطلاب من الأقطار، وصار يقرئ بالقراءات التي يثبت له تواترها.
وكان ابن مجاهد في الحقيقة إماما مقصودا في القراءة، ويمكن القول إنه مؤسس أول جامعة للقرآن الكريم وقراءاته في بغداد، «وقد فاق في عصره سائر نظرائه من أهل صناعته مع اتّساع علمه، وبراعة فهمه، وصدق لهجته، وظهور نسكه» (?).
وقد نال ابن مجاهد ثقة سائر المشتغلين بالقراءات في عصره، وبعد عصره، وبحسبك منهم شهادة إمام هذا الفن والمرجع فيه ابن الجزري إذ قال:
«ولا أعلم أحدا من شيوخ القراءات أكثر تلاميذا منه، ولا بلغنا ازدحام الطلبة على أحد