وتلقّاها عنه أصحابه، ومن بعدهم أئمة السّلف، وهي تنتمي إلى أمهات قواعدية لما يتيسر من يجمعها بعد- أي في زمن الخليل- وأنها لدى جمعها وضبطها ترتد إلى سبعة مناهج، وفق حديث النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف». وهذا الفهم لرأي الخليل هو اللائق بمكانته ومنزلته العلمية، وهو المتصور في ثقافته ومعارفه زمانا ومكانا، وبه تدرك أنه لم يكن يجهل أن عصر الأئمة متأخر عن عصر التنزيل، وهو أمر لا يجهله أحد.
وكذلك أشير هنا إلى رأي شيخ المفسّرين، الإمام الطبري (?)، الذي كان يرى أن الأحرف السبعة منهج في الإقراء أذن به النّبي صلّى الله عليه وسلّم زمنا ثم نسخه قبل أن يلقاه الأجل، وهكذا فقد مات النّبي صلّى الله عليه وسلّم وليس بين الناس إلا حرف واحد، وأن هذه القراءات المتواترة اليوم مهما بلغت كثرة إنما تدور ضمن هذا الحرف الواحد الذي أذن النّبي صلّى الله عليه وسلّم بالإقراء والرواية به (?).
ومن أدلّته على نسخ الأحرف السبعة أنها لو كانت قرآنا باقيا لم تكن لتخفى عن الأمة بعد أن تعهّد الله سبحانه بحفظ كتابه العظيم في قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 15/ 9]، وكذلك حصول الاختلاف في فهمها، وتحديد المراد بها، وقد قال الله سبحانه:
وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النّساء: 4/ 82].
ومن أدلّته على ذلك أن المروي عن السّلف في الأحرف السبعة لا يتفق والرسم القرآني، فلم يكن ثمة مندوحة من القول بنسخ ذلك، وقد نقل مكي بن طالب القيسي في الإبانة رأي الطبري فقال: «يذهب الطبري إلى أن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن إنما هي تبديل كلمة في موضع كلمة، يختلف الخط بهما، ونقص كلمة، وزيادة أخرى، فمنع خط المصحف المجمع عليه مما زاد على حرف واحد لأن الاختلاف- عنده- لا يقع إلا بتغيير الخط في رأي العين.