مسألة أخرى: ماذا لو رفض الأب تزويج ابنته من شاب صالح، لكونه أرفع منه نسباً، الذي يظهر لي أن عليها طاعته، وإن كان قد خالف الصواب في نظرك , ولو كانت الفتاة لا ترى الكفاءة في النسب حقاً لأوليائها ولجأت للمحكمة ورفعت أمرها إلى القاضي لينظر فيه ويتخذ اللازم فيه فلا تثريب عليها وإن كان الأولى والأفضل طاعتها لأبيها درءاً للشقاق.
وهنا تنبيه أيضاً مهم: وهو إذا كان الحكم في المحاكم الشرعية بخلاف ما يراه المسلم في اعتبار الكفاءة في النسب من عدمها، فإنه يلزم المسلمين في ذلك البلد الخضوع للقضاء الشرعي ببلدهم.
هل اعتبار النسب في مسألة الكفاءة في النكاح، عند أهل العلم مبني على الهوى؟ الجواب لا ,فإن مسألة الكفاءة في النسب ليس مردها إلى الأهواء والشهوات والنعرات الجاهلية، بل المرجع في ذلك هو إلى الشريعة الغراء، وإذا تأملت بإنصاف وعدل لوجدت أن الإمام الأعظم أبا حنيفة رحمه الله وهو فارسي يعتبر النسب من ضمن الكفاءة في النكاح، فيرى أن الفارسي ليس كفؤا للعربية، والإمام مالك بن أنس العربي يعتبر أن النسب ليس من كفاءة النكاح، فيعتبر غير العربي كفؤا للعربية والقرشية، فهؤلاء عند ما قرروا الأحكام الشرعية لم ينطلقوا من منطلقات عنصرية.
واعلم أيضاً أن كثيراً ممن ينقدون هذا الرأي الفقهي هم أشد الناس تطبيقاً له، فلو تقدم إلى بنت أحدهم -وهو مدير إدارة- صاحب حرفة دنيئة كفرَّاش أو مُرَقع أحذية لما قبله، بل لربما آذاه بالقول والفعل.
واعلم أن لمن اعتبر الكفاءة في النسب شرط صحة أو لزوم حججاً من الشرع والمعنى يركنون إليها ويعتمدون عليها، ومن ذلك:
أولاً: ما رواه مسلم من حديث واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم. وهذا الحديث وإن كان صحيحاً؛ إلا أن الاستدلال به على الكفاءة في النسب فيه نظر، كما قال ذلك الحافظ في الفتح وغيره.
ثانياً: يستدلون بحديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العرب بعضهم أكفاء بعض والموالي بعضهم أكفاء بعض إلا حائكاً أو حجاماً" رواه الحاكم. لكن هذا الحديث قد حكم عليه ابن عبد البر بأنه منكر أو موضوع، وله طرق إلا أنها كلها واهية، فلا يثبت بمثله حكم.