وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في بلوغ المرام عن ما رواه الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العرب بعضهم أكفاء بعض، والموالي بعضهم أكفاء بعض، إلا حائك أو حجام) وفي إسناده راو لم يسم، واستنكره أبو حاتم.
ثالثاً: ما رواه النسائي وابن ماجه إن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالت له: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته. قال: فجعل الأمر إليها، فقالت: قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء.
وابن العم وإن كان كفؤا في النسب إلا أن موطن الشاهد في الحديث أنه كان فيه خسة فلم يكن كفؤا لها، وهو يدل على أن الكفاءة حق للمرأة لما يلحقها من النقص والعار بالزواج ممن ليس كفؤا لها، ولها أن تسقط الحق كما فعلت هذه المرأة.
وأما حجتهم من المعنى فهي أن قبول الأولياء بمن تقدم إليهم لا يجب عليهم، بل لهم أن يرفضوه ولو كان ذا نسب رفيع، فكيف إذا كان يلحقهم بذلك العار، ويصل إليهم من سباب الناس وشتمهم لكونهم قبلوا بفلان زوجاً لابنتهم.
والذي يظهر أن مذهب الجمهور هو الراجح وهو أن الكفاءة حق للزوجة والأولياء، فإذا أسقطوه فلهم ذلك والنكاح صحيح.
ولتعلم أخي القارىء أن كثيراً من أهل العلم الذين اشترطوا الكفاءة في النسب قد دفعهم لذلك زيادة على ما أسلفنا أنه لما بَعُد الناس عن الشرع وتعلَّقوا بأنسابهم القبلية وانتماءاتهم الأسرية ورفض الكثير منهم مبدأ المساواة في النسب من حيث النكاح، ووصل الحال إلى الإنكار والاستنكاف حتى إن من يقدم على التزوج من غير طبقته قد يخاطر بنفسه خاصة في المناطق القبلية والعشائر والبوادي، وإذا وصل الحال إلى الإنسان بأن يصبح في خطر من تزوجه من غير طبقته بحيث يتعرض للتهديد أو الضرر أو الإساءة إلى أسرته بالاستهزاء والسخرية والسب والأذى فإن درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح، بل قد يصل الحال إلى التهديد بالقتل في بعض الأحيان والشرع لا يأمر بالمخاطرة إلى درجة أن تذهب النفس أو يسفك الدم، أيعيش الإنسان مرعوباً مهدداً لا يأمن على أسرته ونفسه من أجل تطبيق بعض أفراد الشريعة ولهذا نصَّ بعض الأئمة الكبار على اشتراط الكفاءة بالنسب كشرط صحة، وهو قول ضعيف لكن بعضهم نظر إلى ما قد يترتب على هذا الأمر من مفاسد، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوِّجوه»،، فإن الناس جميعاً خُلقوا أحرارا، كما قال عمر: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم