وَرَحْمَةً} [الروم:21].
ولتحقيق شروط السكن والمودة والرحمة داخل بيت الزوجية، لابد من اعتبار بعض العوامل الأخرى غير الدين فالبيوت المسلمة السعيدة تقوم على أمور أخرى لتدعم التدين فيما يخص شئون الحياة، وإن كان شرطها الأول والأهم هو الدين وهو الإطار الذي يحكمها، ولكن لابد من عدم الغفلة عن الشروط الأخرى، وهذا مذهب الجمهور الذي يقول: (أنه يراعى في زواج المسلمة أربعة أشياء الدين والحرية والنسب والصنعة , فلا تزوج المسلمة من كافر , ولا الصالحة من فاسق وقيل هذا على سبيل الكراهة لا التحريم وخاصة مع عدم وجود البديل الصالح , ولا الحرة من عبد , ولا المشهورة النسب من الخامل , ولا بنت تاجر أو من له حرفة طيبة ممن له حرفة خبيثة أو مكروهة , فإن رضيت المرأة أو وليها بغير كفء صح النكاح) انتهى.
وإلغاء مثل هذا الشرط أو التغافل عنه يوقع في الغالب في مشاكل خطيرة قد تصل إلى حد الطلاق، فبالتكافؤ تقوي رابطة العلاقة بين الزوجين، وبالتوافق في الثقافة والتقاليد والعادات .. يشيع جو جميل من الانسجام والتفاهم بين الزوجين، وهذا هو معنى السكن الحقيقي الذي ذكره القرآن ونوَه به.
مسألة: ما هو وقت اعتبار الكفاءة؟ أي بمعنى آخر هل يشترط الفقهاء الكفاءة في الزوج في وقت إنشاء العقد، أو لابد من استمرارها طوال فترة الحياة الزوجية وإلا فهو مهدد دوماً بفسخ نكاحه؟
إن الذين اعتبروا الكفاءة شرطاً في النكاح يجعلون العبرة بحال الزوج في وقت إنشاء العقد؛ وعلى ذلك إذا تخلف وصف من أوصاف الكفاءة - القابلة للتخلف- كالمال: بأن كان قادراً على الإنفاق، ثم صار غير قادر عليه بعد الزواج، أو الدين بأن كان متديناً ثم شذ ففسق، أو الحرفة: بأن كان يحترف مهنة شريفة كالتجارة فأفلس فاحترف مهنة حقيرة؛ ففي هذه الأحوال لا يفسخ النكاح لتخلف الكفاءة بل يبقى؛ لأن النكاح قد تقرر، فلا يُفسخ بهذه الأمور العارضة.
فالكفاءة إذاً عند من اعتبرها شرطٌ لابتداء النكاح لا في بقائه.
وهنا مسألة مهمة: ماذا لو عقد مسلم على مسلمة عقد النكاح الصحيح المحتوي على إيجاب الولي وقبول الزوجة وحضور الشهود، وليس بينهم تكافؤ في النسب وكنت ممن يرى عدم اعتبار الكفاءة في النسب ففي هذه الحال لا يجوز لك إجبارهم على الطلاق بحجة عدم تكافؤ النسب على ما تدين الله به، إلا أن يكون هناك سبب آخر موجب للطلاق.