أصل الهبة على الحقيقة لله وحده لأن حقيقة الهبة هو العطاء بغير عوض مما لا يجب والذي يعطى على الحقيقة بغير عوض ولا يجب عليه هو الله تعالى ولا يتصور ذلك في الآدمي لأنه محمول على التلفت إلى الأغراض إما في جلب منفعة وإما في دفع مضرة فلذلك كانت هيئة محمولةُ على القصد إلى البدلية فيها، وقد تكون على توقع البدل من الآدمي فبقي عليها اسمها العام على عادةِ العرب في إطلاقاتها في مثله. قال تعالى: {وما آتيتم من ربا ليربُو في أَموال النَّاس فلا يربُو عند الله وما آتيتم من زكاةٍ تُريدون وَجه الله فأولئك هُمُ المُضْعِفُونَ} (?) وقد يعطى الرجل على المروءة وذلك من الشريعة وجرى مجرى الصدقة.
روى مسلم في صحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (كلُّ معروفٍ صدقة (?))، وضرب له النبي - صلى الله عليه وسلم - أمثلةً متعددةً من الواجب والمندوب بيانها في موضعها، وقد تكونُ الهبةُ لصلةِ الرحم وهي من المعروف المؤجل العوض، وقد تكون طلباً لمحض العوض من الواهب في مال الموهوب فأما مالك فقضى به، وأما جمهور العلماء منهم الحنفية والشافعية فحرموه لأنها مبايعة بثمنٍ مجهولٍ.
قالوا: ويجب أن تخلص العقود بألفاظها لأحكامها، فإن غيرت الألفاظ لم يجز إسقاط الشروط.
وهبة الثواب مجهولة العوض وذلك حرام، مجهولة الأمر، وكذلك لا يجوز معقبة بالمنازعة، وتلك مزابنة نهى عنها بالإجماع محظورة بالإتفاق، وقال علماؤنا هذا كله صحيح إلا أن كل عقدٍ قد أنزله الشرع منزلته وعيّنه بشُروطهِ فالبيع وأحكامه على مساقها