وليس في قول الرجل طلق أهلك لي معصية فإنه يعد من المروءة والصلة أن يقول الرجل لصاحبه هذه زوجتي أطلقها لك فخذها وتزوجها. وقد فعل ذلك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعضهم لبعض (?). وأما محمد - صلى الله عليه وسلم - فتلك حضرة مكرمة ورفع المكروهات مطهر وشخص رضي عنه في كل حال وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر في الأول والمآل وإذا أردتم الاشفاء على الإستيفاء فعليكم بكتاب المشكلين إذا ثبت هذا فقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما أنا بشر) إشارة في هذا الموضع إلى أنه لا يعلم الغيب وهي مسألة أصولية فإن المشاهدة أبرزها الله إلى الخلق وجعلها مدركة لهم بالطرق التي شرع لهم إليها وأمسك الغيب لنفسه فهو عالم الغيب والشهادة وأخبر أنه لا يدريه إلا هو وقطع أطماع الخلق عنه فقال: {وما كان الله ليطلعكم علي الغيب} (?)، وألقى إلينا ما شاء منه للحكمة التي علم ومن فضله المتقدم فقال: {ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء} (?) معناه فيطلعهم على الغيب فيعلمونكم به وفي هذا إشارة إلى أنه لا يعلم شيء من علم الغيب إلا من قبل الرسل فلا يلحقهم في ذلك ريب ولا تغتروا بمنجم أو عراف ولا تستدلوا بأمارة في السماء من كوكب أو في الأرض من مذهب على ما يكون غداً بحال فإنه تيه في الضلال قد تبرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - منه ولو جاز لأحد أن يدركه لكان أولانا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقوله: (إنما أنا بشر) يعني به بشر حاكم بينكم وإنكم تختصمون إليّ وفي هذا إشارة إلى الدليل على أن الخصام لا يكون إلا عند الحاكم فهو الذي يقضي وينفذ قضاؤه وإن حكَم رجلان رجلاً بينهما فإنه على اختلاف كثير بين العلماء جملته أنه يجوز عندنا وينفذ وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة لا ينفد إلا إن وافق مذهب (?) قاضي البلد وهذا باطل (?) لأن علماءنا إنما قالوا إنه ينفذ لأن القاضي وكيل للخلق هم أقاموه للفصل بينهم وللقيام بمنافعهم فإن خففوا عنه من ثقلهم جاز ذلك لهم ولا يجوز صرف الكل عنه أو الأكثر لأن ذلك يكون عزلاً.

وقد اتفقنا علي أن القاضي لو قدم قاضياً فحكم الثاني بغير مدهب الأول أنه نافذ فكذلك هذا وقوله (ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض) إشارة إلى أن أحد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015