أما قوله (مطل الغني ظلم) فإنه متفق عليه لأنه لا عذر في التأخير لمن كان قادرًا على الأداء ومهما اختلف العلماء في الأمر بحقوق الله تعالى هل هو على الفور أم مسترسل على الأزمان فإنهم قد اتفقوا على أن الأمر بحق الآدمي على الفور وذلك لفقر الآدمي وحاجته وأن الله هو الغني له ما في السموات وما في الأرض فإذا ثبت هذا واشتغل الغني عن أداء الحق فإن كل فعل يفعله معصية وينشأ من هذا ما إذا اشتغل بالصلاة عن أداء الدين فاختلف العلماء في ذلك فقال أحمد بن حنبل الصلاة باطلة (?) وقال جمهور العلماء الصلاة صحيحة منهم مالك بن أنس وحكى الجويني عنه أن الصلاة باطلة ولم أرها في كتبه ولا تجري على أصوله وهو حكم أصولي ليس من الفروع وقد بيناها في مسائل الأصول في الكلام على الصلاة في الدار المغضوبة وحققنا تعارض الأمر والنهي وبينا اتصالهما وانفصالهما فلينظر هنالك ففيه شفاء الغليل إن شاء الله.
وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع) دليل على أن الحوالة [من القضاء (?)] فإن شاء الرجل أن يقضي الدين الذي عليه من ماله قضى وإن شاء أن يحيل على غيره به إذا كان مليًا جاز ولا تكون محاولة الحوالة من المطل هذا إذا كان له على المحال عليه دين ولا يعتبر رضي من عليه الدين وقال أبو حنيفة يعتبر (?) لأنها عنده مبايعة وعندنا أنها نقل حق من ذمة إلى ذمة وهي مشكلة قد بيناها في مسائل الخلاف ومطلق قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع) يقتضي ألا يعتبر رضي من عليه الدين لأنه لو وكل رجل بقبضه له لجاز فالحوالة وكالة فأما رضي من له الدين فإنه يعتبر عند كافة العلماء وتعلق بعض التابعين بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع) ولم يشترط رضاه بل أمره بالإتباع. قلنا هذا محمول على الندب بدليل قول النّبىّ - صلى الله عليه وسلم -: (المسلمون عند شروطهم) (?)، ......................