فيتردد هنالك سبعاً ويخبّ ويرمل زيادة في الاجتهاد وحضاً للنفس على الاستعداد، ثم يخرج إلى عرفة، وهو الموقف الأكبر، فيمثل فيه مع جميع الخلائق، كما يمثل بالمحشر، فيتضرعون ويدعون ويجتهدون ويخلصون وينتظرون الرحمة ويتشوقون. فالذي يقطع به أن قصدهم لا يخيب، وأن دعوتهم بحرمة الجماعة لا تردّ. قال القاضي أبو بكر: كان شيخنا القاضي أبو المعالي عزيزي بن شيذلة (?) الواعظ يقول: كان شيخنا الدامغاني (?)، صاحب سوق العروس، يقول، إذا حضر بعرفة: (اللهم اقبلني معهم وإن كنت زائفاً فقد يسمح الناقد وإن كان عارفاً) (?) ثم يعود متوجهاً إلى حضرة القدس فيرمي بالجمار من يعترضه فيما فعل أو ينكر عليه ما أتى به، ثم يعود إلى باب الملك فيطوف به كأنه يستقضي ما رجاه ويستنجز ما دعاه، ثم يعقد النية ويصحح الرَّجاء أن ذلك العمل مقبول، والدعاء غير مردود، ما لم يكن معه ما يناقضه من طلب فخر أو إعراض عن خدمة الملك التي قصد إليها بإكباب على مخالفتِه وانتهاك لمحارمه.
توفية: قد بيَّنا أن الحج له أركان لا يتم إلا بها وفيه محظورات لا يجوز فيه فعلها، وهي على قسمين منها ما يفسد الحج كالوطء (?)، ومنها ما يُجبر بالنسك كسائر المحظوِرات سواه، وهذا معلومِ بإجماع من الصحابة، رضي الله عنه، قال الله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (?). فالرفث هو الوطء وما تعلَّق