الحج (?) ركن عظيم في الدين، ومن أعظم عبادات المسلمين شرعه الله تعالى للعباد ذكرى، ولينبههم على الدار الأخرى، ولتطمئن عليه الأنفس متحققة بالإيمان، وقد أنكرته الملحدة فقالت إن فيه تجريد الثياب ويخالف ذلك الحياء، والسعي وهو يناقض الوقار ورمي الجمار، لغير مرمى وذلك يضاد العقل؛ فصاروا إلى أن هذه الأفعال كلها باطلة. قلنا: ليس من شروط الولي مع العبد أن يفهم المقصود بجميع ما يأمره به ولا أن يطلع على فائدة تكليفه، وإنما يتعين عليه الامتثال ويلزمه الانقياد من غير طلب فائدة ولا سؤال عن مقصود، ولهذا المعنى كان يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه كان يقول في تلبيته "لَبَّيكَ إله الْحَقِّ" (?) إشارة إلى حضور هذا الاعتذار في وقت هذه الأفعال المناقضة للعادة، وقد تكلم على فوائده وأشاد بمقاصده كثير من الناس من لدن ابن (?) أسد إلى ابن هوازن (?)؛ فمجموع ما أشاروا إليه أن الله تعالى شرع الحج للقصد إليه والسفر نحوه، فيخرج عن الأهل والمال، وينخلع عن جميع ما معه إلا عن ثوبين هما كفنه إذا سافر السفر الحقيقي وهما بزته إذا سافر هذا السفر المقدم له، ويحرم على نفسه زهرة الحياة الدنيا من الطيب والنساء ليقطع شهوته ويدوم عمله كما يكون في القبر، ويقطع المفاوز إلى المقصد الأعلى حتى ينتهي إليه فيطوف ببيته الذي وضعه له، كما يطاف بسرادقات الملوك، ثم يستلم الركن الذي وضع له تملقاً وتذللاً، كما يستلم تراب أفنية الأمراء، ثم يبرز عن البيت إلى المسعى