ذكر، وإنما أخبره بوجه العمل فيه، وبقي جواز الأكل على أصله وقوله {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} خرج مخرج الغالب من الأحوال لا على طريق الشرط، وأبدع من هذا كله أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، كان في حجته قارناً ومعه الهدي فلما نحرها بمنى أمر بطبخها، وجعل في القدر من كل بدنة بضعة فأكل من لحمها وشرب من مرقها، وفيها لحم هدي القرآن ولم يميِّزه ولا فصله (?). فأما ما نذر للمساكين فلا ينبغي أن تذكروه في هذه المسائل (?)، ولا أن تجعلوه من جملتها كما فعل بعض علمائنا؛ لأن ذلك صدقة والصدقة لها حكمها فلا تدخل في الهدي، وهذه أصول طرق الخلاف ومطالع النظر، وتركيب الأقوال عليها مبسوط في مسائل الفقه.
روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ سَنَةٍ قَبْلَهُ وَسَنَةٍ بَعْدَهُ" (?) قال علماؤنا: ومعنى هذا إذا لم يجد قبله ذنوب عامين، فإن وجد قبله ذنوب عامين كأنهما العامين اللذين يكفّران ومع حثّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، على صومه وإخباره عن فضله فإنه أفطره يوم حجِّه وذلك لوجهين:
أحدهما: لئلا يشق على أمته.
الثاني: ليسنّ فطره لمن كان حاجاً فإنه أقوى له على الدعاء والعبادة فيكون ذلك تخصيصاً للحاج من عموم الحديث، ويبقى الفضل لغير الحاج. والتأويل الأول هو الأشبه بمذهب مالك، رضي الله عنه, لأنه أدخل في الباب أن عائشة كانت تحجّ وتصوم يوم عرفة حاجّة (?) كأنها فهمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إنما أفطره خوف المشقة على أمته.