نيل المأمول، وقد كان الهدي قرباناً مشروعاً لآدم عليه السلام (?)، ثم مهَّده الله بين إسماعيل وإبراهيم عليهما السلام (?)، ولم يزل مستمراً على تلك السبيل حتى أوضح الله تعالى فيه لرسوله البيان فقال تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} (?) إلى قوله: {تَشْكُرُونَ} فصارت هذه الآية أصل الشريعة في الهدايا لأنه تبارك وتعالى بيَّن شرعيتها في شعيرتها، وأمر بحملها، أو بعثها، وضمن لنا الخير فيها بقوله: {لَكمْ فِيهَا خير} بالعصمة أولاً من الظلم وبالفدية آخراً من النار، وأمر بنحرها لله العظيم، وأباح أكلها رفقاً بالخلق وبيَّن أنَّ ذلك كله راجع إلينا ودائر علينا حين قال وهو القدوس: {لَنْ يَنَالَ الله لحومها ولا دماؤهما ولكن يناله لله التقوى منكم} (?) الآية. المعنى أنه ليس المقصود إراقة الدم ولا تفرقة اللحم وإنما المقصود إذعان الخلق إلى الطاعة وأمتثالهم ما لا تهتدي إليه عقولهم قياماً بحق الربوبية وتقية من عقوبة العبودية، ولما قال الله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} (?). فأباح الأكل بعد بلوغ الهدي مِحله ووقعت الإِباحة على ذلك الشرط وتشعَّبت السبل على علمائنا باختلاف أحوال الهدي فاضطربت لذلك أقوالهم اضطراباً تحصَّل منه خمسة أقوال.

الأول: إنه لا يؤكل من الهدي لا قبل النحر ولا بعده.

الثاني: إنه يؤكل قبل وبعد.

الثالث: إنه يؤكل بعد ولا يؤكل قبل.

الرابع: إنه يؤكل كله إلا جزاء الصيد ونحوه.

الخامس: إنه يؤكل كله إلا هدي الفساد.

لكل قول من هذه الأقوال منحى نزع به صاحبه، والأصل في ذلك الآية المحكمة المتقدمة التي ذكرها الله تعالى في معرض الامتنان، وأباح الأكل منها، مبالغة في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015