ملامة على الناسي، فأما من أفطر في يوم الغيم فتتوجه إليه الملامة وينسب إلى التفريط بقلة الصبر وترك التثبت فإنه التزم الصوم بيقين النهار فلا يجوز أن يخرج عنه إلا بيقين الليل فليته خلص من الكفارة لتقريره بالعبادة فضلاً عن أن يسقط عنه القضاء (?) فإن قيل: قلتم إن الملامة لا تتوجه على الناس والعقلاء المتشرعون يوجهون عليه الملامة فيقولون لم نسيت ولا تنس وقد قال الله تعالى لرسوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} (?) قلنا: أما قول الله تعالى {فَلَا تَنْسَى} فليس بنهي، إنما هو خبر عن أنه لا ينسى ما يُوحى إِليه بعد إلقائه عليه إلا ما شاء الله أن ينساه فيكون نسخاً له ورفعاً لحكمه (?)، وأما توجه الملامة فصحيح لكن النسيان على ضربين: نسيان لا يمكن الانفكاك عنه هو جبلة البشرية وسجية الآدمية فهذا ليس فيه ملامة بحال.
نسيان اقتضاه الإكباب عني الشهوات والتشبث بالمشغلات فهذا يقال له لا تنس، ويكون مورد نهيه حذف الفضول التي جلبت إليه الغفلات وعرضته للنسيان (?)، وقد نسي النبي، - صلى الله عليه وسلم -، صلاة العصر يوم الخندق حتى غربت الشمس (?)، ولكن للشغل بعبادة عظيمة ونازلة في الدين كبيرة وهي حماية البيضة ومدافعة العدو والاحتراز من غفلة يجد العدوّ بها نهزة (?)، ولم يتركها كما زعم بعض الناس متعمداً (?) لأنه لو ذكرها لصلاّها صلاة الخائف حسب الإمكان كما فعل قبل يوم الخندق وبعده.