واشتقاقها من الصدق وأصله استواء القول ظاهراً وباطناً، لساناً وجناناً، أولاً وآخراً حتى استعمل في المواضع (?). قال الله تعالى {مُبَوَّأَ صِدْقٍ} (?)، وقالت العرب (رمح صَدق) (?)، وقالوا (أخ صدق) (?) وذلك لعموم الاستواء والحسن في جميع ذلك كله من الوجهه التي بيّناها، وقالوا في مبالغة الفعل للفاعل فيه صدوق، فإذا دفع الزكاة فقد صدق في اعتقاد الدين بما يظهر من فعله، وقد ظهر الصدق في وفاء الله تعالى بعهده على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى، وإن أفاض المال في سبيل الخير فقد زاد صدقه في دينه.
(حكمة وحقيقة وتوحيد) إن الله تعالى، وله الحمد، أنعم على العبد نعمتين: نعمة في البدن وجعل شكرها العبادات البدنية كالصوم والصلاة، وأنعم على العبد أيضاً بنعمة المال وجعل شكرها أداء الزكاة، فإذا قام العبد بالعبادات البدنية فقد أدّى نعمة الله تعالى عليه في المال، والزكاة عبارة عن جزء من المال معين مقدر، هكذا قال أكثر العلماء. وقال (ح) حقيقة الزكاة إنها جزء من المال مقدَّر غير معيَّن (?)، وكذلك اختلف في حقيقتها السلف بمثله، وما قلناه أولى، والدليل عليه الحكم والحكمة. أما الحكم فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "في كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ" (?)، ولم يقل في كل مائة شاة دينار، كما يقول أبو حنيفة (?). فإن قيل فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "في كُلِّ خَمْسٍ مِنِ الْإبِلِ شَاةٌ" فتحقق إنه أراد في مالية خمس من الإبل قدر مالية شاة، قلنا عنه جوابان:
أحدهما: أن نقول هذا تكلُّف؛ إنما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله (في كُلِّ خَمْسٍ مِنَ الْإبِلِ شَاة) ما أراد بقوله في كل إصبع خمس من الإبل (?)، وليس في الإصبع إبل، وإنما